راعَنا خبر القبض على سائق حافلةٍ و هو مخمور، و إن كانت فارغةً من الركاب، فالخطر الذي أوجده هو للمحيطين به من سائقين و مشاة و منشآت لو تدهورت الحافلة به جراء الخمر. و المؤسف أننا نرى يومياً سائقين يقودون سياراتهم و حافلاتهم و كأنهم مخمورين. و نرى مُشاةً يقطعون الشوارع البطيئة و السريعة و كأنهم يقطعون ممشاً في نزهةٍ ببستان. الواقع المروري مرير للغاية و مؤلمٌ بلا حدود فهو يخطف الأرواح و لا نقول قبل أوانها فلكل أجلٍ كتاب لكن السرعة و الطريق و غياب الانتباه تُقَرِّبُ الحتوف و تتلاعب بالأقدار.
سائق الحافلة المخمور في غياب وعيه لا يختلفُ عن الذي يُديرُ وعيهُ ليلاعب هاتفه أو يلتفت ليلتقط كوب قهوة أو يحادث رفيقه فكل لحظةِ غيابِ انتباه هي المُؤَهِلةُ للحادث الجسيم. و كل سرعةٍ وراءها اعتقادٌ بالسيطرةِ على آلةٍ صمَّاء هي دعوةٌ للانتحار، ولإيذاء الغير. و كل قاطعٍ لشارعٍ مقامرٌ بحياتهِ و مُدِمِرٌ لحياة صادمه. و لن يوجد شرطيٌ رقيبٌ لكل مخالف لكنه سيتواجد بالتأكيد ليلملمَ أثر الحادث. حديدٌ و دماء و صرخاتُ ألمٍ في البيوت والمقابر.
إن التهويلَ ليس مدخلاً لمعالجة هذا الأمر ولا كذلك تفعيل العواطف، بل المطلوب الخبرة والحكمة والحزم. و هذه الثلاثية ليست غائبة و لا قاصرة لكن المواطن على الرغم من ذلك يشعر أن الشارع يكاد يخرج عن السيطرة من أزمته المرورية و حماقة و تهور بعض السائقين و المشاة و كذلك نقاط الاختناق التي يسببها عدم تكامل و تناسق مداخل ومخارج الشوارع وغياب مواقف تكفي. لكن هذا ليس السبب الوحيد. تلتقط الكاميرا صورة السيارة المسرعة، و لا تلتقط صورة السيارة التي يتعمد سائقها القيادة ببطءٍ غير مناسبٍ غير آبهٍ بمن يحجز وراءه و السبب دوماً الهاتف و الانشراح في حديثٍ مع رفيق. و الكاميرا لوحدها ليست كافية.
إن عدد السيارات بأنواعها مهولٌ و بازدياد. أضف لذلك الدراجات النارية للتوصيل و الرفاهية و هي في معظمها مُربكةٌ و خطرة. ثم أضف عدد السائقين الجدد الذين يجتازون الاختبارات و بعضهم في الواقع لا يزال غير متمكن. و ضع في الاعتبار عدد السيارات المتزايد التي تكاد تختفي ملامح سائقيها وراء الزجاج الداكن و استمرار تجاهل معظمهم استخدام الإشارات الضوئية. ثم إن وضع السيارات العمومية و الحافلات لا يمنح الثقة بقدرة معظمها على التواجد لخدمة المواطن بمسيرها الفوضوي في الغالب. ثم الشاحنات بأشكالها و معظمها، دون مبالغة، يقودها الحرص على توصيل البضائع بسرعةٍ تفوق المنطق و بكسر كل التعليمات المرورية الممكن كسرها دون رقابة الشرطة. إنهُ مهرجانٌ شوارعيٌ لا نستمتعُ به.
حين يجابه رجال و نساء الأمن المروري هذا الواقع يومياً بشجاعةٍ و صبرٍ يُحسدون عليهما، و في أسوأ وأقسى أنواع المناخ والتعرض للانبعاثات العادمة و جرأة البعض و تذمرهم فلا شك أنهم و ما يستعملون من تقنية تخفف من الأزمات المرورية و تمنع العديد من الحوادث التي كادت أن تحصل. لكن الكثرة تغلب الشجاعة. و المؤكد أن التقدم و التطور سمتان ضروريتان لمجتمع يكبر و يتنوع نشاطه. البحث و التطوير و التنفيذ و الحزم مسؤوليةٌ مطلوبةٌ و بإصرار. إن عندنا ثقةٌ أن حلولاً ناجعةً هي في الطريق، مجازاً و عملياً. حلولٌ تجمع الأحسن من المعالجات المرورية و تطبقها من دون تردد.