برج بابل سياسي في الشرق الأوسط
د. فهد الفانك
03-09-2010 03:23 AM
قبل عقدين من الزمن كانت صورة المنطقة واضحة وبسيطة ، عندما كانت تنقسم بين معسكر الاعتدال الذي يحتفظ بعلاقات قوية مع أميركا والغرب ، ومعسكر التطرف الذي يعارض السياسة الأميركية ويتحالف مع خصمها الرئيسي الاتحاد السوفييتي.
هذا النموذج اختفى تماماً واختلطت الأوراق ، فلم تعد مقولة جورج بوش تنطبق بتقسيم العالم إلى أبيض وأسود ، حلفاء وأعداء ، معنا أو ضدنا ، معتدلين ومتطرفين.
سورية مثلاً تحالف إيران في لبنان وتعارض أهدافها في العراق. السعودية مركز الاعتدال تتقارب مع سورية ، وتتحاور مع حماس ، تركيا يصعب وضعها في معسكر محدد فهي تتحالف مع أميركا وإسرائيل ، وتتصادم مع إسرائيل ، ولا يمكن وضع تحركاتها الدبلوماسية في إطار معين. فهي تحتفظ بعلاقات متميزة مع الغرب وتتطلع للانتماء إلى أوروبا وتعقد اتفاقاً ذرياً مع إيران ، وتأخذ مواقف إعلامية ضد إسرائيل ، وتسعى لتكون لاعبا أساسيا في المشرق العربي.
لكل واحدة من الدول المعتدلة أسلوب حكم ومصالح مختلفة ، وكذلك الأقل اعتدالاً وتسمي نفسها دول ممانعة لأنها تكسب بأن تقول لأميركا لا.
بعض دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت تغرد خارج السرب ، وتنافس بعضها البعض ، وتجد نفسها أقرب لإيران من السعودية. حتى أميركا ، وهي فاعل أساسي في شؤون الشرق الأوسط ، لم تعد أميركا السابقة ذات القوة الكاسحة التي لا تستطيع قوة أن تقف في وجهها أو تعارضها. رئيسها الحالي باراك أوباما يقف ضد كل ما كان يمثله سلفه الرئيس السابق جورج بوش.
كان للعالم للعربي رأس معترف به هو الشقيقة الكبرى مصر ، ثم جاء وقت انتقل فيه الثقل السياسي شرقاً ويرى كثيرون الآن أن الحظيرة العربية مجموعة وحدات متنافرة بدون مرجعية أو قيادة إستراتيجية.
الخارطة السياسية للمنطقة تغيرت بشكل جوهري. ومع ذلك فهناك من لا يزال ينظر إليها بنفس المنظار القديم غير الواقعي ويتوصل إلى نتائج غير صحيحة.
الكاسب الواضح في الأوضاع الراهنة هو من لا يضع نفسه في جيب أحد ، أو في إطار مع وضد ، بل يحافظ على استقلال قراره ويحصل على ثمن لكل تحرك بهذا الاتجاه أو ذاك ، فالانتهازية السياسية هي عنوان لعبة الأمم.
الراي
د. فهد الفانك