حمده، عجوز أميّة ارسلوها الى مدرسة محو الأمية-طبعا-وصادف وصولها الى الصف أن كان الدرس يتمحور حول عبارة (دخل فالح.... خرج فالح). وبعد عودة الختيارة إلى البيت مرهقة في آخر النهار، سألوها عن ماذا درست في الصف.
تنهدت حمده بحسرة وقالت:
- ما قرينا إشي ولا استفدنا حرف.
- ليش يمّه؟
- اي هوّه فالح خلاّنا نقرا؟
- شو عمل فالح؟
- قضّاها فايت طالع ع الصف. والمعلمة بتقول...خرج فالح ..دخل فالح.
- وانتي شو كنتي تعملي
- أنا كنت اتستّر وألبس ع راسي كل ما دخل فالح....
بالمناسبة هذه العجوز – حمده-ليست مجرد كائن هرم يتعلم على كبر، هي أمنا ...هي نحن، لا بل هي أمتنا جميعها. وفالح هذا هو موضوع الدرس الحقيقي .... الحياة، العلم، العمل، المستقبل، الواقع، الحقيقة، سمّه ما شئت.
نعم يا سادة يا كرام، نحن نتعامل مع إيقاع العصر بذات طريقة حمدة، وإن كانت حمدة قد خسرت حصة في درس الأمية، فإننا نخسر حصتنا من درس التاريخ بأكمله.
بعد أن ضحك أبناء حمده وأحفادها قليلا، ربما تكون حمده قد عرفت أن (فالح) مجرد اسم، وهو الدرس بعينه، وليس شخصا يدخل ويخرج من الحصّة، بالتالي سوف تتعلم العجوز بسرعة في الحصة التالية.
كانت الدولتان العربيتان الأموية والعباسية تعملان على إيقاع الكون، فسادتا على العالم في زمنهما، وخرجتا حينما خرجتا عن إيقاع عصورهما. جاء المماليك، والعالم يطور في أسلحته، لكنهم فضّلوا الفروسية على التطور العلمي، فسقطوا بسهولة أمام جحافل العثمانيين الذين تعاملوا مع تكنولوجيا المدافع.
العثمانيون – ذات قرن-وقعوا في مطب رفض الطباعة، وفضّلوا عمليات النسخ، ذات الجماليات، فكان أن خرجوا من إيقاع العصر تدريجيا، وعندما عادوا للطباعة كان العالم قد تجاوزهم وتجاوزنا معهم.
سقطنا مرة أخرى أمام مدافع نابليون، وخرجنا من التاريخ والجغرافيا معا. بينما لملم العثمانيون أنفسهم وتحولوا إلى أمة تركية كبرى تحترم العلم وتمشي على إيقاع الحضارة.
أما نحن، فما زلنا نقرأ ونتعلم على طريقة (دخل فالح..خرج فالح).
وتلولحي يا دالية
الدستور