كلما حدثت حادثةٌ تمس المواطنين، خاصةً في مأكلهم ومشربهم وصحتهم وتعليمهم، تظهر الدعوة لاستقالة الوزير. آخر دعوة جاءت بحق وزير الصحة بعد تسمم مواطنين في جرش. وعلى هذا المنوال فإن وزراء آخرون سيكونون مطالبون بالاستقالة. مثلاً، وزير الداخلية بعد حادث مرور أو وزير الزراعة بعد فشل محصول أو وزير مياه بعد سرقة المياه. وهذا ليس معقولاً ولا هو حلٌ لمنع هذه الحوادث من التكرار.
إن استقالة الوزير تعني الشيء الكثير بالطبع من باب المسؤولية العامة لكنها لا تُصْلِحُ خللاً مؤسساتياً. والحوادث ستحصل لأنها طبيعة الأشياء. إن أفضل وأحدث التقنيات المُحكمَة لم تمنع مكوك فضاء ولا الكونكورد من التحطم.
كما أنه من غير المعقول تحميل المؤسسة الصحية مسؤوليةً عن حوادث تسممٍ لم يُعرف بعد سببها. حادثة جرش و حادثة الخالدية، حين نفق قطيع أبقار، شهدت تحركاً سريعاً و منهجياً من الوزارات المختصة لتقصي السبب. النتيجة المخبرية ستحدد السبب و بعدها هناك الإجراءات التي تحدد المسؤولية. في دولةٍ بها نظامٌ و قانون لا ينبغي القفز بدعوات الاستقالة لوزير دون مسوغٍ دامغٍ بمسؤوليته المباشرة و إلا أُوِّلَتْ الدعوة ضرباً من سياسةِ الهجاء للهجاء و حسب.
لكن هناك ما يدعو لتحسين المسؤولية المجتمعية عند المنتج و العامل و المستهلك المتناولين للسلعِ القابلةِ للتلف السريع. لقد سمعنا عن اتلاف مواد غذائية فاسدةَ التخزين والمناولة و قد يكون منها ما وصل للمستهلك. المسؤولية المجتمعية والأخلاقية تتطلب من المواطنين حرصاً على جودة المنتج و حرصاً عند الاستهلاك. لن يقول أحد أن حالات التلوث ستنتهي لكن الرقابة الحكومية لوحدها لا تكفي و يكتمل عملها بالرقابةِ الذاتية.
أما الوزير فهو يتولى مهمةً سياسةَ التكليف ولو كان من أهل الاختصاص لحقيبته و معه هيكلُ من الإدارة و المختصين الذين من شأنهم اليومي التخطيط و التنفيذ و المتابعة و الرقابة و التقييم و التصويب. ليس عدلاً إذاً استقالة وزير، لا بالصفة السياسية و لا المهنية، إلا إن كانت الوزارة في حال تراجعٍ بسبب تقاعسٍ مؤسساتي و هو ليس ما نراه و رأيناه لت بطريقة معالجة الحوادث الأخيرة و لا بالسرعة التي تمت.