أعترف يا ابنتي زينة أن صورتك اليوم وأنتِ تتلّمسين بأصابعك النحيلة نعش أبيك الشهيد علي الجوابرة ، عجز الكلام عن وصفها ، يداكِ الصغيرتان تتمسكُ بالعلم الذي لُّف به الجسد الطاهر ، وكأنّكِ تناديه ربما يسمع صوتكِ وهمسكِ، ودمع جدك وجدتك ونحيب أمك الصامت يفيض على الخدين ويهطل من القلب الجريح.
الله يا زينة ، يا زينة البنات ، هكذا الشهداء في جيشنا يصعدون إلى السماء وهم بعيدون عنّا ، كُتب على العسكر الغياب ، وكُتب على أهلهم وأحبتهم أن يودعونهم كل يوم بالشوق والدعاء ،، أعرف أن علي لوح لأبويه ولأخواته السبعة يوم مرّت الطائرة من فوق المخيبة التحتا ، وإلتصق بزجاج النافذة ليرى أضواء الطرقات وشجر البيارات هناك ، وأرسل نبضة من قلبه لرفيقة الدرب عندما حجب الغيّم والعتمة وجه الوطن.
كُتب على الفقراء يا زينة أن يكونوا الشهداء وحرّاس الثغور والحدود ، كُتب على الفقراء يا زينة أبناء القرى المنسيّة أن يقدموا دمهم عندما يختبئ الجميع ، اليوم عرفت الحكومة المخيبا ، وعرفوا طريقها الوعر ، وعوفوا حرّ الغور ، وعرفوا وجوه الناس هناك المتعبة من الفقر والبطالة والعوز ، وعرفوا أيضا كم يقدم الفقراء من شهامة ومروءة ودم وفروسية .
الله يا زينة على بنات الشهداء ، فأنت تشبهين جوان راشد الزيود وكندة سائد المعايطة ، تشبهين كل البنات اللواتي ظلّت جدائلهنّ ندّية كل صباح ، يذهبن للمدرسة وينتظرن عودة الأب الشهيد للبيت ، ينتظرنه عند عتبة الباب ويخطفن القبلات البكر منه بين خشخشة الأساور وحمرة الخدود الصغيرة كدحنون بلادنا.
سيظلّ شهداء الجيش العربي أجمل الفتيان ، من القدس حتى إربد ومن هاييتي حتى مالي ، كلمّا شحّت بلادنا جاء الشهداء والعسكر ونثروا أرواحهم شجرا وكرامة وقمحا وشجاعة ودحنونا وقصائدا وأملا يحيينا.
سلام عليك يا علي ، وسلام على زينة زينة البنات ، سلام على دمع الأمهات ، سلام لقلوب الأخوات، وسلام على حزنهنّ الذي يتجدد كل عام ولا يطفئه إلا الإرتواء من الأحبة.
سلام للجيش أينما حل والسلام ما بعده سلام لأرواح الشهداء.