يزخر تاريخ العرب بالحكايات والروايات الداعمة للترفع عن مقارعة السفهاء، والتي تحث على الحلم وأثره الطيب في المحافظة على النفس واصلاح المجتمع على حد سواء، وجاء بالأثر عن الامام الشافعي رحمه الله أنه قال: ما جادلت عالماً إلا وغلبته وما جادلت جاهلاً إلا وغلبني ، وان اجتمع الجهل مع سوء الخلق فأعلم ان سيء الخلق يأبى إلا أن تدنو لمستواه، حتى إن بعض العوام شبه الجدال مع السفيه كمن يقارع الخنزير في الوحل ففي كلتا الحالتين هو خاسر وللخنزير هي متعه.
الرجل "الحازم" من يسعى ل "التيسير" على الناس و يأبى على نفسه الخوض في سفاسف الأمور، او يكون جسراً لأحدهم للعبور، فبعض "النكرات" و "السليّمين" يسعون لمقارعة العظماء حتى يُعرفوا بين الناس، فتراه يفتعل المشكلات تارة، و "يجعر" في مواقف نقاشية بسيطة تارةً اخرى، ويرعى المجرمين هنا ويبكي الضحية هناك، وكل ذلك لمآرب شخصية ولشعبوية فارغة.
العمل العام ليس بعيداً عن هذه التحديات، فالتعامل مع الجمهور يحتاج الى الفطنة والكياسة ومراعاة حاجات الناس، والنظر الى ظروفهم الصعبة من جهة ومن مستواهم الثقافي والتعليمي من جهة اخرى، فيحاول بعض المراجعين احياناً استخدام اسلوب "خذوهم بالصوت" عندما لا يكون صاحب حق، ويختلق المشادات مع الموظف ويشخصن المشكلة لعله يجد سبيلاً الى منفعه ولو بشيء يسير، وما ينطبق على الموظف العام ينطبق كذلك على الوزير او الأمين او المدير العام، مع اختلاف ان المتنمر في الثانية قد يكون "نائب" او متنفذ ...
من يسعى للمصلحة العامة او خدمة المواطنين من نواب او نقابيين يناقش المواضيع بمنطقية وتجرد، وعن علم ودراية بمواضيع التشريع والرقابة، ويساهم في ايجاد الحلول وتذليل العقبات، ويكون جُل اهتمامه نفع يجلبه او هدر يوقفه، وليس الهدف ان يُحتفى به عند زيارته لمؤسسة حكومية، او ان يُجاب على اتصالاته او يتم تلبيه رغباته بنقل موظف او ترقية آخر دون وجه حق.
مسيلمة الكذاب لم يقدم للبشرية اي شيء سوى النميمة والفتن والكذب وصار مثلاً الى يومنا هذا، واما النجاشي فصغيرنا وكبيرنا يعرفه لأنه كان حليماً وحكيماً وشتان ما بين الثرى والثريا، والرجال تعرف بالمواقف التي يخلّدها التاريخ، اما الكلام وان جهر او هُمِس به او حتى تُغنيَ به بأجمل الألحان، لا يتعدى كونه يذهب مع الرياح.