ثقافة سياسية جديدة فـي العراق
حازم مبيضين
04-07-2007 03:00 AM
للحوار الدائر بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وجبهة التوافق التي توصف على الدوام بأنها كبرى كتل العرب السنة في البرلمان نكهة لم يعرفها العراقيون تتعلق بلغة الحوار الممكن أن يدور بين السياسيين لانهم تعودوا منذ أكثر من خمسين سنة على الانقلابات العسكرية والقائد الملهم والوزراء الطيعين والجيش الذي ينتظر أحد ضباطه الفرصة المناسبة للانقضاض على الحكم وإعلان البيان الاول فاذا نجح تحول إلى معبود الجماهير ونصبت تماثيله في الساحات وصار ما يقوله أشبه بالمعجزات تردده اجهزة الاعلام ليل نهار ليتمكن أبناء الرعيه من فهمه وهضمه والعمل بمقتضاه أما إذا فشل في الوصول إلى الاذاعة لإعلان البيان رقم واحد فهو خائن للوطن والامة وعميل للاستعمار والامبريالية والصهيونية وملعون حتى الجد العاشر وعائلته جميعا من نفس طينته ويتلقون نفس العقوبات التي كان أقلها في الفترة الاخيرة الاعدام.
أما وقد بات بمقدور بعض الوزراء أن يعلنوا مقاطعتهم لاجتماعات المجلس فيدعوهم الرئيس إلى العودة عن قرارهم والاحتكام إلى القانون لحل المشكلة التي دفعتهم للمقاطعة فهذه ثقافة جديدة ، لم يحسن الجميع فهمها وهضمها ، وقد يذهب البعض إلى أن الرئسي ضعيف لانه لم يأمر بإعدام المقاطعين وقطع دابر الفتنة لا بل إنه دعا - خصومه - للاحتكام إلى القانون الخارج عن سيطرته (نظريا على الاقل ).
لكن المؤسف أن هذا التحول لم يكتمل بعد سنوات من سقوط نظام البعث الشمولي ، ويمكن ملاحظة ذلك من التصريحات النزقة لبعض المسؤولين ، وهي تصم كل الخصوم السياسيين الذين يسعون لتنفيذ برامجهم السياسية من خلال بناء تحالفات مغايرة في التوجهات للتحالف الحاكم بأنهم متآمرون وانقلابيون ومرتبطون بقوى خارجية وهي نفس الالفاظ التي مل من تكرارها الشعب العراقي المتطلع إلى تجربة ديمقراطية حقيقية يبدو أنها لم تنضج أو أن أدواتها - وهم السياسيون - لم يستوعبوا حتى اللحظة المتغيرات الكبيرة في وطنهم .
السياسي الحاكم يتحالف مع كل من يضمن له البقاء حاكما ، لكنه لا يعطي للسياسيين الآخرين حق بناء تحالفات توصلهم للسلطة حتى لو لم يلجأ هؤلاء إلى تحركات عسكرية تنتهي بالبيان الأول عبر أثير الراديو ، غير أن المؤسف أن التجربة العراقية في بناء مجتمع التعددية والديمقراطية وتداول السلطه تترافق مع عنف دموي أعمى يتهم كل طرف سياسي الطرف الآخر بتنميته وإشعال الحطب تحته .
والواضح أن حكام العراق يفتقرون للتجربتين الادارية والسياسية ذلك أنهم أتوا جميعا من العمل الحزبي السري في كل الاحيان إن كان في داخل العراق، أو غير المتصل بالواقع العراقي إن كان من أحزاب المنفى ، كما أن قناعة كل منهم أنه الأصلح والأفضل تدفعه إلى إقصاء الآخر أو تهميشه بأساليب ليست نظيفة دائما .
ومع كل السلبيات المرافقة لعملية التحول الكبرى في بلاد ما بين النهرين فان على المتابع أن لا يغفل الجانب الايجابي المتمثل باطلاق حرية التعبير - إلى حد ان أكثر من 100 صحيفة تصدر في العراق إلى جانب العشرات من الفضائيات والاذاعات - صحيح أن العاملين في الاعلام العراقي يتعرضون للإغتيال ، لكن علينا ملاحظة أن كل تلك العمليات تتم على استحياء من منفذيها الذين يتورعون عن إصدار بيانات مسؤولية عن تلك العمليات وبما يؤشر لاعترافهم بخستها ونذالتها ولا أخلاقيتها . علما بأن الكثير من التنظيمات التي تتمسح بالمقاومه تداوم على إصدار بيانات عن عمليات نفذتها أو توهمت وتخيلت أنها ارتكبتها .
hmubaydeen@yahoo.com