يقول ابن خلدون في مقدمته، بأن أشد أنواع الظلم وأعظمها هو إفساد (العمران) سواءً في أموال الناس أو مسكنهم أو حرياتهم.. الى آخر ما تمت الإشارة له. وهنا في الأردن فمن يقصد استدراك أرقام الوضع المعيشي الذي بات يعيشه المواطن رغم كل ما نسمعه من توجهات حكومية تخفيفية؛ إلا أننا نجد بأن دوامة اللامبالاة من قبل أصحاب القرار قد أصبحت علامة تجارية فارقة، فالحكومة بالمجمل قد أصبحت غير قادرة على احداث أي تحولٍ إقتصادي شمولي لتنعكس آثاره على المواطن، وحتى الوعود التي سئمنا من سماعها قد باتت صعبة المنال رغم مضي العديد من السنوات العجاف، أملا في تحقيق أي انتصار وهمي على مؤشرات البطالة الحادة، أو تحسين مؤشرات نمو الإقتصاد، أو تخفيض نسبة التضخم أو معالجة ازدحامات المرور، أو تخفيض كلف الطاقة وانعكاساتها إيجابيا على المستهلك النهائي.
بالإطلاع على أرقام البطالة المعلنة (الرسمية)، والبالغة خلال الربع الأول من هذا العام حوالي 25%، وغير المعلنة (الواقعية) وهي تتجاوز 30% على أقل تقدير لمن هم من المؤهلين الجامعيين الشباب؛ وارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك (التضخم) بنسبة 2.47% خلال الربع الأول من هذا العام؛ لنجد بأن الأمور قد أصبحت واضحة للعامة بعدم قدرة الحكومة على إحراز أي تقدم ممكن، بإستثناء إعطاء مزيد من التطمينات واستلاف العديد من القروض، وكأنها حكومة تصريف للأعمال، والسبب في ذلك بأن هذه الحكومة وما سبقها من حكومات لا تمتلك الرؤية الكافية، ولا آعتقد الطموح الذي أراده الملك، فهل هذه الحكومة قادرة على تحقيق رؤية الملك لما يتعلق بالأردن (الجديد) مثلا في ظل المئوية (الثانية) للدولة الأردنية، وبما يتوجب أن تتضمنه من برامج عمل طموحة، وخطط استراتيجية فعلية هادفة؟
الملفت للنظر، بأن لقاءات الملك مع الحكومة وتركيز جلالته على ضرورة إحداث نقلة نوعية للوطن لم تخلو من أي خطاب أو أي تكليف أو أي ورقة نقاشية أو أي لقاء ملكي عابر، حتى بافتتاحه لدورات مجلس الأمة والطلب الصريح من الحكومة بإنجاز نقاط محددة لتكون محركات التغيير (Motivation of Change) لعمل هذه الحكومات؛ لم يتم تحقيق المطلوب في أغلب الحالات، إذن أين الخلل؟ ولم لا يتم التنفيذ؟ ولم تلك النظرة "الأحادية" في التفكير لدى صانع القرار الحكومي مقارنة بمؤسسة الديوان الملكي؟ ولم لا تتم المحاسبة أو الإقصاء الفوري للمسؤول الفاشل؟!
حين تتكلم الأرقام، نقف عاجزين عن الدفاع عن الوضع الحالي، وبالذات عند مقارنتنا لواقعنا الحالي مع دول الجوار، فالمؤشرات الراهنة واضحة، والقدرة على المناورة قد باتت محدودة ومكشوفة، والفشل قد أصبح توجها، والمفارقة بالموضوع بأنه قد أصبح مؤشر مقارنة الحكومات المتعددة لمعدلات الإنجاز -رغم الفشل في تحقيق معظم برامجها- قد أصبح عن طريق احتساب مقدار تخفيض نسبة الفشل، وليس رفع نسبة تحقيق المطلوب إنجازه!!
وكخلاصة؛ فيبدو أنه ليس لنا إلا الدعاء لله تعالى بأن يزيل عنا تلك الغمّة الإقتصادية، ونستبشر خيرا بالجهود الملكية التي تكللت بتوقيع الإتفاقية الثلاثية بين الأردن ومصر والإمارات، وحتى لا يصبح المواطن كما جاء في كتاب "كليلة ودمنة" كمثل "مالك الحزين" الذي عاش حزينا ومات حزينا، لأنه لم يتعظ من أخطائه، حيث لم يعد بالإمكان تحمل المزيد من ضغوطات الأعباء المعيشية.