توقعات إستراتيجية بعد الحرب .. وعيد وطني لروسيا
د.حسام العتوم
01-06-2022 12:30 PM
تحتفل دولة روسيا الإتحادية (العظمى) بقيادة الرئيس فلاديمير فلاديموروفيج بوتين، صديقة المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، وكل العرب ، وبلاد الشرق، والعديد من دول العالم في مختلف القارات ، بالعيد الوطني بتاريخ 12 تموز 2022، وهو تقليد إحتفالي سنوي منذ إقرار المؤتمر الأول لنواب الشعب في (موسكو) العاصمة إعلان السيادة الوطنية ، والمحافظة على حقوق كافة القوميات ، والاحزاب السياسية ، والمنظمات العامة ، وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتوسع في حقوق الجمهوريات والمناطق والمقاطعات والأقاليم المستقلة .
وتمر البلاد الروسية العملاقة على مستوى الجغرافيا والديموغرافيا، والجيوسياسيا بأزمة سياسية مع جارتها التاريخية أوكرانيا سرعان ما تحولت إلى عملية عسكرية تحريرية إستباقية أرادت لها أن تكون نظيفة، إنطلقت بتاريخ 24 شباط المنصرم من هذا العام، وسميت في الغرب حربًا رغم إنطلاقها في واقع الحال ليس من (موسكو) كما يعتقد، ولكن من (كييف) عاصمة غرب أوكرانيا قبل إستقلال أقاليمها الثلاثة ( القرم 2014، والدونباس ولوغانسك2022 )، ومن ( واشنطن )، ومن ( لندن ) ومن باقي عواصم الغرب بعد تدخلهم المباشر في الثورات البرتقالية التي سبقت وتزامنت مع (إنقلاب 2014) الدموي في العاصمة الأوكرانية، بهدف التخلص من الحضور الروسي السياسي الذي قاده أنذاك الرئيس الأوكراني الأسبق ( فيكتور يونوكوفيج )، وبعد الإرتكاز على تفسيرات خاطئة لمجاعة ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وللحرب العالمية الثانية 19411945، والتي أجاب عليها نائب البرلمان الروسي البروفيسور السياسي ( فيجيسلاف نيكانوف ) في كتابه الحديث " من بدأ الحرب؟ "، وبعد وقوع العاصمة ( كييف ) تحت إغراءات الغرب الأمريكي بتقريبها من حلف ( الناتو ) العسكري المعادي لروسيا، والعمل على إنتاج ( قنبلة نووية ) بمحاذات روسيا من جهة الجنوب لتهديد أمنها السيادي، وبعد قبولها إمتلاكها لـ- ( 30 ) مصنعًا بيولوجيًا أمريكيًا للفايروسات الخطيرة، وفي مقدمتها ( كورونا ) الضارة بسكان المنطقة الأوروبية – الآسيوية التي تشمل بلاد السوفييت السابقة، والتي طورتها أمريكا حاليًا إلى (فايروس ) جديد خاص بجدري القرود الضار بالبشرية عشر أضعاف ( كورونا )، وهو ما أكده الجنرال الروسي ( كيريلوف ) حديثًا، وبعدما أقنعت ( واشنطن ) – ( كييف ) بضرورة شن حرب على روسيا لإعادة إقليم ( القرم ) لكي يرسوا الأسطول السادس الأمريكي مكان الروسي، ولأهداف إستراتيجية بعيدة المدى ذات علاقة بأرقام الحرب العالمية الثالثة تحت الدراسة والإستخبار، ولضمانة السيطرة الدولية في مجال الحرب الباردة وسباق التسلح، ولتشجيع أمريكا لغرب أوكرانيا على تحرير شرق أوكرانيا بقوة السلاح، وهو الأمر الذي تسبب منذ إنقلاب 2014 بمقتل حوالي (14) الفًا من أوكران وروس الشرق الأوكراني، في زمن يعيش فيه نصف مليون روسي هناك إلى جانب( 3.5) مليون ناطق باللغة الروسية .
وروسيا العظمى الصديقة لنا، إحتفلت للمرة الثانية بأعيادها الوطنية ( النصر على الفاشية الألمانية 9 أيار )، وسوف تحتفل بالعيد الوطني القادم والعملية العسكرية ( الحرب ) مستمرة، وتشارف على الإنتهاء، وكما ذكرت في مقالة تحليلية سابقة: ( الروس قادرون على النصر ولا شك في ذلك، وهم قادرون على إنهاء الحرب ( العملية ) على أوكرانيا الغربية بعد تحقيق الأهداف الإستراتيجية المرسومة ، ولن تخرج روسيا من شرق أوكرانيا إلا منتصرة وبقوة، وسوف تبقيه تحت سيطرتها، وهي غير آبهة بتكديس السلاح الأمريكي في عهد الرئيس جو- بايدن، باهظ الثمن وبحجم وصل إلى ( 30 ) مليار دولار وأكثر، وهو الذي بدأ يباع في أفريقيا حسب أخر المعلومات، ولن تعير إنتباها لملايين دولارات بريطانيا – جونسون والتي وصلت إلى( 300 )مليون دولار، ففي نهاية المطاف لن يعيد بناء شرق أوكرانيا غير روسيا أولاً، ولن تفيد أموال ( لندن ) الشعب الأوكراني بشيء، وهو الذي يعاني من الفقر، والبطالة ، والتضخم المالي، والحاجة للمحروقات ومنه الغاز الروسي، وإحتمال عودة روسيا إلى غرب أوكرانيا، وإلى عاصمتها (كييف) مستقبلًا وارد حالة شروعها مجددًا في إنتاج قنبلة نووية في الجوار الروسي بهدف تهديد سيادتها القومية .
وفي الوقت الذي دخلت فيه روسيا إلى شرق أوكرانيا عسكريًا بدعوة من إقليمي ( الدونباس ولوغانسك ) بعد إستقلالهما واعتراف روسيا الإتحادية بذلك، وبعد توقيع اتفاقية تعاون ودفاع مشترك بينهما، وبعد الإرتكاز على المادة 51 7 من مواد الأمم المتحدة التي خولت روسيا الدفاع عن نفسها بعد تعرضها لمؤامرة غرب أوكرانية وغربية – أمريكية مبرمجة، وبعد تحقيق موسكو لـ ( 99%) من أهدافها العسكرية المحددة عبر قصف أكثر من (3000) موقعًا عسكريًا أوكرانيًا، ومنها ما تم تصنيعه من قبل أمريكا ، وإصرار روسيا على تحرير كافة الشرق الأوكراني من التطرف والعنصرية والنازية التي قادتها فصائل ( أزوف وبانديرا ) وألحقت ضررًا كبيرا بسكان الإقليمين وأماكن سكنهم لكونهم محسوبين على روسيا، وناطقين باللغة الروسية، ولوجود فجوة دينية أيضًا بين غرب وشرق أوكرانيا في المسار الأرثوذكسي خاصة بعد إنفصال ( كييف ) عن الكنيسة الروسية في ) موسكو ( والتي يقودها شيخ الزعيم الديني البطريرك ( كيريل )، فإن توقعاتي الإستراتيجية لما بعد الحرب ( العملية العسكرية الروسية ) تتجه للتعامل الروسي مع الغرب الأمريكي والدول المتعاونة معه وعددها ( 40) دولة بصيغة مختلفة عما سبقت الحرب إن لم تعتذر وتعتدل، والسياسة توازن ومصالح مشتركة ، وإعتراف بالرأي والرأي الأخر، ولي في قول جلالة الملك عبد الله الثاني أثناء لقائه برؤساء وزارء سابقين في قصر الحسينية بعمان الأحد بتاريخ 29 أيار 2022 ، عندما صرح، بأن الأردن يحترم التعددية السياسية، وطالب بالتنوع في الأراء والمواقف خير دليل وشاهد على مجريات العصر، وكيف سيكون الحال .
وقضية إعلان الغرب حصاره لروسيا الإتحادية اقتصاديًا لن ينجح في تحقيق مراميه حاليًا و في المدى المتوسط والبعيد، والفرصة أصبحت متاحة أكثر من أي وقت سابق أمام روسيا لكي تعتمد على ذاتها، ولتطوير بنيتها التحتية ومنها السياحية، وهو ما لاحظناه مؤخرًا عندما قفزت بعملتها الوطنية ( الروبل ) إلى مستوى تصريف أقوى أمام الدولار واليورو، بعد ربطه بالمصادر الطبيعية الروسية ( البترول والغاز )، وبالذهب الخارجي، وهي العملية المصرفية التي أشرفت عليها رئيسة البنك الروسي المركزي ( إيلفيرا ) وبذكاء ملاحظ. وموضوع التخطيط من قبل الغرب وأجهزته اللوجستية لإعادة روسيا إلى العهد السوفيتي صناعيًا سيزيدها قوة وأكثر إعتمادا على الذات لتطوير صناعاتها الوطنية ، وروسيا ستبقى قادرة على التعاون إقتصاديًا مع دول عديدة في العالم مثل ( العرب، و الصين، والهند، وباكستان، وأفريقيا ) وغيرها من الدول والأقطاب العديدة، خاصة وأن روسيا تقود مدرسة الأقطاب المتعددة وتناهض القطب الأوحد من زاوية الند للند .
والعالم لن يصبح واحدًا متعاونًا بعد ( الحرب – العملية )، وأقصد الشرق بقيادة روسيا الإتحادية والغرب بقيادة أمريكا، ومحاولة روسيا – بوتين إنهاء الحرب الباردة عام 2000 عبر الإنضمام ( للناتو )، والتي لم يصغي لها الغرب، يصعب تكرارها بعد الحرب بسبب إصرار الغرب على بقاء الحرب الباردة وسعير سباق التسلح ماثلاً، والهدف الضغط على البنية التحتية الروسية لتشهد مزيدًا من التعقيد والتراجع، لكن روسيا الإتحادية اليوم تقف بالمرصاد للغرب المنقاد لأمريكا، ولازالت فصائل ( أزوف وبانديرا ) تقصف سكان مدينة ( دانيتسك ) وليس الجيش الروسي بطبيعة الحال، وهدفهم الإصغاء لنداءات ( كييف ) وعواصم الغرب بإدامة الحرب، وهم يعرفون مسبقًا بعدم قدرتهم على الإنتصار فيها . ( وتماما كما صرح حديثا هنري كيسينجر عميد السياسة الأمريكية بتاريخ 24 أيار 2022 ، بأن محاولة الحاق الهزيمة بالقوات الروسية في أوكرانيا له ،، عواقب وخيمة ،، على استقرار أوروبا في المدى البعيد ، وجاء ذلك في كلمة له القاها في منتدى دافوس لافتا الإنتباه إلى مكانة روسيا في ميزان القوى الأوروبي، مشيرًا إلى أن (موسكو) كانت جزءً أساسيًا من أوروبا على مدى 400 عام ، وكانت الضامن لتوازن القوة في أوروبا في الأوقات الحرجة ، معتبرًا أنه لابد لأوكرانيا من أن تتخلى عن بعض الأراضي لروسيا، وأضاف ، بأنه لا يجب على قادة أوروبا دفع روسيا إلى الدخول في تحالف دائم مع الصين، وحذر من إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، مشددًا على ضرورة دفع ( كييف ) إلى العودة إلى التفاوض، مؤكدًا بأن الوضع الملائم لها هو الحياد، وأن تكون جسرًا بين روسيا وأوروبا، وحث قادة الغرب على حمل أوكرانيا على قبول المفاوضات مع روسيا ، حتى وإن كانت شروط التفاوض أقل من الأهداف التي تريد الخروج بها من الحرب .
وفي سياق أخر، دعا (كيسينجر) السلطات الأمريكية إلى تجنب المواجهة مع الصين بشأن تايوان، داعيًا إلى بناء علاقة طويلة الأمد بين أمريكا والصين ).
وما يمكن فهمه من تصريح كيسينجر أعلاه لا يعكس واقع قوة النار الروسية التي لم تدخل كلها إلى جانب العملية العسكرية إلى وسط المعركة الأوكرانية ، ويصعب حتى تصور هزيمتها ، وهي التي لديها إستعداد للتصدي حتى لحرب نووية قد يشنها حلف ( الناتو )، وتمتلك روسيا وهو واقع قوة عسكرية تعادل ( الناتو ) إن لم تتفوق عليه سرًا رغم الفجوة الكبيرة في ميزانية الدفاع لكل طرف منهما ولصالح الغرب بكل تأكيد، وقول (كيسينجر ) بأن على أوكرانيا أن تتخلى عن بعض أراضيها لصالح روسيا حتى تنتهي الحرب ربما قصد ضرورة عزوف غرب أوكرانيا عن المطالبة بأقاليم ( القرم والودنباس ولوغانسك )، وهو الصحيح ، والمطلوب الآن من ( كييف ) فعلاً، وحث أوروبا لعدم دفع روسيا لكي لا تتحالف مع الصين لترك فرصة مماثلة لأمريكا لفعل ذلك فقط، تكمن وسطها صورة دولية غير عادلة، ويغفل هنا ( كيسينجر) قيادة روسيا لعالم متعدد الأقطاب ، وبأنها صاحبة قضية عادلة ومظلمة واضحة في أكرانيا سبق توضيحها ، ومن حق أي دولة عظمى أو صغيرة إقامة تحالفات تناسب مصلحتها العليا القومية . وحياد غرب أوكرانيا لكي تحافظ على إستقلالها أمر مطلوب.
وفي الوقت الذي يواصل فيه الغرب ، وتحديدا الاتحاد الاوروبي مواصلة حصار روسيا اقتصاديا ، وكان أخرها وليست أخيرا بالطبع إقصاء " سبير بنك " أكبر بنك روسي عن نظام سويفت العالمي ، متجاهلين نظام " مير" الروسي البديل ، وستشهد أوروبا إنقسامات في المواقف تجاه روسيا ، وهي التي لازالت تعتمد جزئيا على النفط و الغاز الروسي ، ومسألة الإعتماد في مجاليهما على ليبيا والجزائر سيكون أكثر كلفة عليهم . قال القس البريطاني ( يبسكوب ريتشارد أوليامسون ) بأن الرئيس بوتين على حق في حربه الدفاعية في أوكرانيا بعكس ما يعتقده الغرب، ولا أريد هنا أن أكرر ما وصفهم به حرفيًا في حديثه .
والعلاقة الروسية مع ( إسرائيل ) المزدوجة رسميا وشعبيا بعد تدخلها السلبي في الحرب الأوكرانية لصالح غرب أوكرانيا بحكم الإرتباط اليهودي بين ( تل -أبيب ) و( كييف )، ولدرجة حول فيها سفير إسرائيل السابق في بيلاروسيا ( ألون شوهان ) نفسه إلى عنصر( أزوفي) محارب في أوكرانيا، ولطرف أمريكا على حساب روسيا الإتحادية ومنظومتها السوفيتية السابقة سوف تتغير، ولقد قابله في الميدان الأوكراني نائب البرلمان الشيشاني (أدم ديليم خانوف )، الذي أثبت والمقاتلين الشيشان جدارة حربية غير مسبوقة إلى جانب الجيش الروسي في محاربة التطرف، وعاملوا السكان الأوكران معاملة حسنة بعكس معاملة ( أزوف) السيئة للأسرى الروس من العكسريين ،و صام الشيشان المقاتلين ( رمضان ) وقت الحرب ، ولم تحترم (إسرائيل) تاريخها الذي ساهم الجيش الروسي والسوفيتي الأحمر في صناعته بجهد الزعيم (جوزيف ستالين) عبر تأسيس دولتهم ، ووصل الأمر بها إلى أن تصوت إلى جانب (93 ) دولة عالمية وبشكل مبرمج أمريكي وواضح لإخراج روسيا من منظمة حقوق الإنسان ، وعلاقة روسيا الإستراتيجية بسوريا الشقيقة باقية ثابتة ، وحضورها كذلك ، رغم إعلان روسيا إبتعادها عن الحدود السورية - الاردنية ، وتركها لسيادة الدولة السورية (قناة - عربي 24 )، وبطبيعة الحال لإيران، يشكل قلقا للأردن ، وهو ما تحدث عنه جلالة الملك عبد الله الثاني مؤخرا .و ثمة بصيص أمل بعد لقاء سيرجي لاوف وزير خارجية روسيا الإتحادية مع مجلس التعاون الخليجي أمس، بعد زيارته لأفريقي ، وإتصال إفتراضي خليجي مع وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا بهدف إيجاد مخرج لإنهاء الحرب . وللحديث بقية..