يدق ناقوس الخطر حول العالم ليس إيذاناً بحرب نووية أو بيولوجية أو غيرها بل حالة غريبة تجمع بين الركود الاقتصادي والتضخم
وهذه حالة تسمى بالركود التضخمي والذي يأتي خلافاً للأعتقاد السائد بأن العلاقة بين الركود والتضخم هي علاقة عكسية ولا يصح أن يجتمعا في وقت واحد نظاراً لاختلاف المبدأ والفكر والاتجاه في الحالتين ، لكننا نشهد حالة استثنائية خطيرة وسنشعر بآثارها المؤلمة .
يعتبر التضخم أحد أمراض الأنظمة الاقتصادية الحديثة، التي تخلق السيولة من لا شيء، وتقيّم سعر أي سلعة وفقًا لعوامل تتعدى عوامل التسعير العادية (الندرة والطلب).
فالتضخم العالمي الذي لا يحدث في دولة واحدة بل في العالم ككل أخطر أنواع التضخم .
، اضافة الى أن هناك جانب اقتصادي سلوكي للتضخم، حيث يمكن أن يصبح نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها، بمعنى عندما ترتفع الأسعار فترة طويلة بما فيه الكفاية، يبدأ المستهلكون في توقع ارتفاع الأسعار أكثر.
مما يزيد من الطلب على شراء وتخزين السلع خوفاً من ارتفاع أسعارها غداً، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب ومعه ارتفاع الأسعار، وهلم جرًا.
إن المصطلح الاقتصادي( الركود التضخمي ) هو مصطلح يعني أن ارتفاع معدل التضخم لسبب مباشر أو لعدة أسباب مجتمعة وغلاء أسعار السلع المختلفة في نفس الوقت الذي يشهد تراجع حاد في المبيعات ووجود حالة كساد . الأمر الذي يأتي معاكساً لمبدأ العرض والطلب حيث يحدث الكساد أو الركود لأسباب منها قلة الطلب ووفرة العرض ، فيما ترتفع أسعار السلع نتيجة لتزايد الطلب.
ولمحاولة احتواء التضخم المقلق ، تتهافت البنوك المركزية في غالبية دول العالم على رفع سعر الفائدة، حيث أن التضخم المتزايد والمستمر يهدد بسقوط الاقتصادات القوية والضعيفة على حد سواء.
وفي أفضل ألاحوال فإن الدول الغنية والتي تمتلك مفاتيح أبار مصادر الطاقة العالمية سيكون التأثير على اقتصاداتها أقل ولكن سيبقى التضخم قائم ولكن سيتراجع مؤشر النمو الاقتصادي حتماً.
هذا وقد بدأت علامات الركود التضخمي بالظهور في أسواق المال العالمية، بينما يستمر التضخم ضمن مستويات غير مسبوقة.
اخطار الركود التضخمي
من بين الأسباب الرئيسية في الوقت الراهن لإعتبار هذا الخطر مخيفاً :
اولا: تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على الاقتصاد الأوروبي بشكل مباشر وعلى دول عديدة في كافة ارجاء المعمورة أيضا بشكل مباشر أو بأخر غير مباشر وارتفاع أسعار الغذاء والمشتقات البترولية والغاز الطبيعي والكهرباء والمعادن ، وهنا يمكننا القول بأن تداعيات هذه الحرب تشكل أكبر صدمة سلعية منذ سبعينيات القرن الماضي.
ثانياً: الارتفاع السريع لكلف المعيشية الذي ضرب الإنفاق الشرائي، وبالتالي تقلص دخل الشركات التي تصنع السوق.
ثالثاً: الارتفاع السريع في سعر صرف الدولار الذي سبب أزمات للعملات العالمية ويهدد اقتصادات العديد من الدول وعلى وجه الخصوص الدول النامية .
رابعاً : الارتفاع الخيالي في كلف الخدمات اللوجستية وخصوصاً أسعار الشحن والتي بدأت مع بداية جائحة كورونا وواصلت ارتفاعها لأرقام خيالية منذ بداية العمليات العسكرية في أوكرانيا ، الأمر الذي ينعكس فوراً على أسعار السلع
وبالتالي فإن هذه الحرب رفعت من أسعار السلع وسببت أزمات معيشية في أوروبا والعديد من الدول النامية، كما هددت بنهاية العولمة وأمن الموانئ والانسياب الطبيعي للسلع والخدمات بين دول العالم، خاصة في أوروبا.
وحتى الآن من غير المعروف متى ستتوقف الحرب، وما هو حجم الدمار الذي ستتركه في أوكرانيا والاقتصادات الأوروبية، ولكن من المؤكد أن الكلفة الاقتصادية للحرب ستكون ضخمة جداً، حيث إن كلفة إعادة إعمار أوكرانيا تحتاج إلى مئات المليارات إضافة إلى الكلف الاقتصادية التي ستتركها على النمو الاقتصادي والثقة الاستثمارية في أوروبا والعالم النامي وعلى الشعوب الفقيرة.
كل ذاك يأتي نذيراً بأن القادم أعظم وأن العالم أجمع يقترب من دخول دورة اقتصادية صعبة تصل حد الكساد