التاريخ يعيد نفسه .. هل تملأ الفراغ مراكز الفكر بين جلالة الملك والحكومة؟
العميد المتقاعد عارف الزبن
31-05-2022 01:06 AM
بعد ان شاهدت الاسبوع الماضي ، التصريح والتحذّير الخطير الثاني لجلالة الملك في مقابلة مع الجنرال المتقاعد ماكماستر ، حين قال جلالة " ان الوجود الروسي في جنوب سوريا كان مصدرا للتهدئة " كما أشار جلالة في موضوع انسحاب القوات الروسية "وهذا الفراغ سيملؤه الان الإيرانيون و وكلاؤهم فللأسف امامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا " وعندما قال جلالة الملك مشيرا الى المباحثات القائمة بين دول الخليج وامريكيا ؛ (اقتبس) " بدفع ايران لاتخاذ مواقف اكثر إيجابية ، أتمنى ذلك ؛ انا لا أرى ذلك على ارض الواقع حاليا " (انتهى الاقتباس) . نعم ان الواقع الحالي الأمني الحالي خطير جدا على حدودنا ولن يكون إيجابيا، وذلك في زيادة اغراق السوق الأردنية بالمخدرات، والتي قد يتبعها تسهيل دخول عناصر إرهابية، فمن يستطيع ان يهرب كروز مارلبورو يستطيع ان يهرب ار بي جي.
لقد اعادني هذا التصريح في الذاكرة الى عام ٢٠٠٥، عندما صرح جلالة الملك تصريحة الأول الذي كان أكثرا صراحة وخطورة، حين قال مصطلح الهلال الشيعي، في ذلك الوقت كنت ادرس في كلية الدفاع الامريكية في واشنطن، وكانت نقطة نقاش وبحث لنا كدارسين في أحد الجلسات الاكاديمية، في البحث في القاموس الأكاديمي عن هذا المصطلح الجديد، ماذا يعني تصريح وتحذّير ملك الأردن من الهلال الشيعي؟ عندها تعبنا ونحن نبحث عن هذا المصطلح، بعد ان طُلب مِنّا كباحثين ودارسين في البحث عن خفايا هذا التصريح والحلول الممكنة والمستقبلية، حيث قدمت في هذا الموضوع ورقة بحث. نعم لقد دخل مصطلح الهلال الشيعي الى القاموس الأكاديمي في علم السياسة والاجتماع والامن والاقتصاد والجيوبولتيك حتى ان العديد من الأكاديميين يقتبسونه في دراساتهم.
واليوم عاد جلالة الملك في هذا التصريح الثاني الخطير، ليحذّر (من جديد) بعد ان اكتمال هذا الهلال الذي أصبحنا نشاهده في شرق وشمال حدود المملكة والذي يمتد من إيران، العراق، سوريا حتى جنوب لبنان. قد يتساءل البعض من اين يأتي الملك بهذه التصريحات، انني اجزم ان قلت انها تأتي من الرؤية السياسة والاستراتيجية في فكر صاحب الجلالة، فعندما سمعنا مصطلح الهلال الشيعي لم يكن قد مضى على جلالة الملك أكثر من خمس سنوات، بعد انخراطه المباشر في العمل السياسي، واليوم هو ينظر في منظار عسكري، ذو عدستين عدسة العسكري المحترف (القوات الخاصة) المتابع للميدان وعدسة السياسي المتمرس المطلع على كيف وأين تسير المياه في المنطقة من تحتنا وتحت غيرنا.
قد يكون جلالة الملك في تصريحه الاخير أكثر صراحة، محاولا قدر الإمكان الابتعاد عن الطائفية، التي اوجدتها داعش و ماعش (مليشيات ايران في العراق والشام) التي يمقتها كل مسلم صادق وامين في غيرة على الإسلام، على الرغم من اننا اذا اختلفنا كمسلمين (سنة و شيعة) في أمور عقائدية وفقهية في الشريعة، فأننا نتفق عند عميد ال البيت الملك عبدالله بن الحسين في اهتمامه في شؤون الإسلام والمسلمين، وهذا التصريح هو خير مثال على هذا الاهتمام الواضح.
نعم لقد اتعبتك الحكومة يا جلالة الملك! لأعود الى عنوان المقال ، وأقول انكم في وادي والملك في وادي، وقد يكون التجسير او بناء جسر بين الملك والحكومة صعبا جدا ، ولكن يبقى جسر واحد قد يساعدكم وهو جسر الاستعانة في مراكز الفكر ، وإذا لم تسمعوا بهذا المصطلح الذي وبكل اسف يكاد يكون معدوما في السياسة الأردنية ،فهذا المصطلح يسمى بالإنجليزية THINKTANK حيث قُدم الفِكر THINK على الدبابة القوة العسكرية) TANK ، لان هذه المراكز هي فقط التي تجسر ما بين أصحاب الفكر من الاكاديميين والخبراء والباحثين من جهة وما بين الحكومة من جهة اخرى ، وهي بنك وكنز من النصائح والمشورات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي ستغنيكم عن التخبط وترك التخطيط ، وهي أيضا مصنع ومُنتج للفكر الجديد ، وهي أيضا ما قد يخرجكم في وضع أولويات الإصلاح الاقتصادي، وهي أيضا ما ستقودكم في خارطة طريق عند طلب المشورة منها ، لأنها عادة ما تضم خبراء وباحثين كانوا قد تفرغوا للدراسات خلال انشغالكم في إدارة شؤون المملكة ، فهي سميت ببيت الحكمة الذي شُيّد بناءة في العصر العباسي الأول الخليفة هارون الرشيد.
قد تعقدون اني احبطكم في هذه المقارنة، بان تستفيدوا من التجربة الأمريكية التي يوجد بها ١٩٣١ مركز فكر، ولكن سأقرب لكم وجه المقارنة من حيث المكان، فالكيان الصهيوني المزعوم يحتل المركز العشرون (٢٠) في الترتيب العالمي في عدد مراكز (الفكر) البحوث والدراسات، اذ يوجد عندهم اكثر من خمسون (٥٠) مركز ، موزعة ما بين الاهتمام بالأمور الداخلية الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وما بين الاهتمام بالأمور السياسة الخارجية.
في العام الماضي وبتاريخ ١ سبتمبر ٢٠٢١، دُعيت لحضور جلسة فكر اكاديمية رائعة في (جمعية الشؤون الدولية) ، والتي اجزم انكم لم تفكروا ابدا في زيارتها، حيث يترأسها دولة عبدالسلام المجالي وتضم في عضويتها دولة طاهر المصري والفريق الركن المتقاعد (م) محمد يوسف الملكاوي ، واللواء الركن (م) فاضل علي ، واللواء الركن (م) عبدالسلام الحرزانة ، والعديد من أصحاب الفكر أصحاب المعالي وحملة الدكتوراة والجنرالات المتقاعدين والدارسين، في ذلك اليوم تحدثت عن الدور الأردني في أفغانستان ، حيث بدأت حديثي مستفسرا من الحضور، اين يمكن ان تصل نقاط البحث والدراسة والندوات والنقاشات التي تعقد في جمعيتكم ؟ هل تصل الى جلالة الملك او رئاسة الوزراء؟ فكان الجواب محبطا وصادما لي " انها تبقى هنا عندنا " عندها صُدمت ان هذا الفكر وهذه النقاشات لا تصل حتى الى الحكومة.
على أي حال قد أكون اطلت عليكم ؛ ما ينقصنا الان هو ان ننظر بعمق ، ثم نقرأ ونقرأ ونقرأ التاريخ جيدا ، فعندما كان جلالة الملك قائدا للقوات الخاصة في التسعينيات ، طلب من الملك الحسين (طيب الله ثراه) ان يتم ارسال كتيبة المظليين/ ٩١ للتصدي لعمليات التهريب المنظمة في الزاوية الحدودية العراقية السورية ، والتي اكاد ان اجزم انها كانت عمليات تهريب منظمة وقف خلفها رؤوس كبيرة ، وجاءت انعكاسا بالتاريخ (التاريخ يعيد نفسه) بعد عشر سنوات حين هربت قيادات من الاخوان المسلمين من سوريا الى الأردن في الثمانينات ، واليوم بعد هروب اعداد من اللاجئين السورين الى الأردن ها نحن بعد عشرة سنوات ويا للصدفة نقرأ ما بين السطور في تصريح جلالة الملك ، للخروج بحلول فكرية ودراسات وابحاث تقدم الفكرعلى الدبابة عسكرية ، خوفا من ان ناكل اصابعنا يوما نادمين ونقول " ما تعلمنا عندما حذرنا الملك عبدالله في عام ٢٠٠٥ بالهلال الشيعي ، واليوم لعلنا نتعلم من تحذير الملك في التصعيد الإيراني في جنوب سوريا".
ولكن كعسكري الانتماء اكاديمي لا نستشار ارجع واضع الدبابة و الفكر معا، وأقول ان هناك قوة واجب أمريكية تسمى قوة الواجب المشتركة بين الوكالات في مكافحة المخدرات The Joint Interagency Task Force- South والتي تشارك فيها كافة سلطات فرض القانون من الشرطة والمتطوعين المدنيين والحرس الوطني والطيران الامريكية ، تتطلب ان تكون لها قوة مماثلة على الحدود الأردنية الشمالية والشرقية