كان الإيمان الفطري سبباً وحيداً لآدم وزوجه أن لا يستدلا على سوآتهما إلى أن أغواهما الشيطان فاكتشفا السوآت ومن خجلهما طفقا لتغطيتها بورق الجنة ثم عوقبا وأُعطيا لباساً من ريش وغيره ليواري السوآت وقال لهما الله أن لباس التقوى هو الخير. هذه بداية العيب وصراع الانسان معه. فطرة البشر هو مواراة السوآت أو العورات الجسدية. ونحن نرى تعامل البشر مع الجسد بكل الطرق المتاحة من الغطاء الكامل للكشف الكامل وكل مجتمعٍ يرسم عيبه بحسب معتقداته. والوصفُ هنا للرجل والمرأة لكن انتقال البشر من زوجين وحيدين لما يقرب في زماننا إلى ثمانية مليار إنسان وتكون مئات المعتقدات والآلاف المؤلفة من العادات والتقاليد نقلت العيب الفطري من خانةٍ بسيطةٍ واضحةٍ متعلقةٍ بالعورات لمنظومةٍ معقدةٍ. العيب لم يعد يقتصر على الجسد. فهو الكذب والنفاق والسرقة والقتل والزنا والفواحش وعقوق الوالدين والظلم. إنه سلسلةٌ طويلةٌ من العيب الذي يتناوله كل إنسانٍ بطريقته الخاصة في الظاهر والخافي في الحياة. وما هو عيبٌ في العلن قد لا يكون عيباً في البيئةِ الخاصة كالبيت. وما هو عيبٌ في الشرق فهو ليس كذلك في الغرب.
جدال العيب يطول لما لا نهاية ويشتبكُ بضراوة مع مفردات الحرية والتعبير عن النفس بوسائل التعبير المتاحة والتي تتسع مساحاتها كل يوم. اليوم ترى مناظر ومظاهر هي في عُرْفِ العيب قطعاً لكنها تُعْرَضُ علناً لمن يريد المتابعة على أنها حريةٌ شخصية وممارسةٌ فردية. قد تقع في مشكلةٍ كفردٍ معارضٍ إن قلتَ أن هذا عيب أو حاولت منعه فالقانون قد لا يساعدك بل قد يُدينك. وفي مجتمعاتٍ أُخرى يفرضُ القانون حدوداً يعني تجاوزها الوقوع في العيب. انظروا مثلاً لأفغانستان في فرضها النقاب على النساء. عندهم هو عيبٌ ظهور وجه المرأة ولم يقضِ الشرع بهذا. ممارسةٌ أتت لأفغانستان بنقدٍ متواصل من زوايا العالم. لستُ استقصدُ أفغانستان في هذا التصرف الجسدي للمرأة وأفغانستان في العيبِ مغمورة بصفتها من أكثر الدول فساداً في العالم. والفسادُ عيبٌ مدمرٌ.
العيب هو التصرف المظهري المُستهجن. سواء كان علنياً أم كان خفياً فظهر. الرشوة العلنية عيبٌ في الظاهر والباطن. الغش عيبٌ باطنٌ تكتشفه في بيتك بعد البناء. رجلٌ يستقوي على زوجته بالعنف و الظلم يمارس العيب الخفي خجلاً من ظهوره بالعيب و خوفاً. و عيبهُ جُرميٌ خفى أم بان. لكن الانسان متلونٌ بما يعتقده عيباً. حتى في العائلة ما تراه الأم عيباً لا يراه الأبناء كذلك. و لهذا نعيشُ اليوم في مجتمعاتٍ فاضت بأشكالٍ من التصرفات كانت عيباً فأصبحت حريةً شخصيةً و لو آذت ديناً و مُعتقداً. و نعيشُ في مجتمعاتٍ تفترض العيوب كما ترى و تقمعها كما تريد. الاحتكام لمسطرةٍ واحدةٍ للعيب مستحيلٌ في عالم اليوم. و وحدهُ القانون هو الذي يحدد العيب الجرمي. و ما سواهُ من عيوب فهي ضمن التصرفات الشخصية لا يعاقب عليها قانون. لكنها قد تبقى عيباً عند البعض حتى في عُقْرِ الإباحة و التقييد.
و من كثرةِ ما نراهُ من عيبٍ أُصِبْنا بالبلادة. ترى العيب فتشيحَ بوجهك عنه. لا تستطيع الانتقاد و لا الاعتراض لكي لا تقع في مشكلةٍ ما. و عندما يصبح العيب شائعاً لدرجةِ القبول الضمني من المجتمعات، و من القانون، فهذا يعني في عقيدتنا تدهوراً كارثياً يجبُ معالجته. سيستمر الصراع بين سوآت العيوب و علاجاتها لكن الخوف هو من انكفاء العلاج أمام سطوة العيوب. لسنا في زمان الخسف و العقاب الإلهي و إن قطعاً أمام ظواهر عيبٍ ترقى للعقاب. و الوصفةُ الربانية المُتاحةُ دوماً هي في التقوى. فمن يتقِّ الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب. و العملُ بِعَكسِ هذا التوجيه الإلهي واضح. إن لك معيشةً ضنكى. العيبُ قد لا يحتاج قوانين بقدر ما يحتاجُ إيماناً بجدوى الإيمان و علء التقوى على العيب.