سوريا قبل الحرب لن تكون كما هي بعدها، واتحدث هنا عن الجغرافيا فضلا عن الامور الاخرى، وحلفاء الاسد مثل خصومه سيأخذ كل منهم حصته من ارضها ومواردها وحتى سيادتها، فمن يأتي بجيوشه لنصرتك مثل من يأتي لحربك يحمل فاتورة يريد منك دفعها.
تقسيم سوريا كان خطرا كبيرا لكنه لم يحدث وهذا امر ايجابي جدا للسوريين والمنطقة، لكن مايجري وجرى ان هناك تقاسما منظما وربما عبر تفاهمات بين الدول للجغرافيا السورية، وشركاء التقاسم الحلفاء قبل الاعداء.
اليوم ايران تاخذ حصتها في سوريا عبر السيطرة على اجزاء من الجغرافيا عسكريا، وعبر مستودعات اسلحة تحت سلطة الحرس الثوري وأتباعه، وايضا تقاسم عبر اعادة تشكيل التركيبة السكانية في العديد من المناطق لتصبح ذات هوية طائفية تتبع لايران، وهناك المراكز الثقافية والمقامات وغيرها من مناطق النفوذ الايراني فضلا عن السيطرة على اجزاء من مؤسسات صنع القرار السياسي والعسكري.
اما امريكا فلم تكن معنية بتواجد عسكري كثيف في سوريا لكنها تواجدت بما يخدم سيطرتها على مناطق مهمة استراتيجيا وايضا ما يخص النفط والغاز وما يخدم حربها مع داعش ومعادلتها مع الاكراد، وفي مناطق شرق سوريا هنالك جغرافيا تحت سيطرة الجيش الامريكي وقواعد عسكرية امريكية.
اما روسيا فقد جاءت لتبقى عقودا طويلة عبر قواعد على البحر المتوسط وقواعد عسكرية برية ومناطق سيطرة في مناطق مختلفة، وحتى بعد اعادة انتشار القوات الروسية نتيجة حربها مع اوكرانيا فان سوريا لاعب عسكري مهم ولن تتخلى عن قواعد عسكرية، فجزء مهم من الجغرافيا السورية تحت سيطرة روسيا ايضا.
اما اسرائيل فليست موجودة برا لكنها كانت على تفاهمات مع بعض التنظيمات "الجهادية" القريبة من حدودها مع سوريا، وهي موجودة دائما بعمليات القصف الجوي والصاروخي الموجهة الى مخازن اسلحة الحرس الثوري، وهناك تنسيق رفيع مع روسيا في هذا المجال ربما تأثر بشكل ضعيف بعد حرب اوكرانيا.
اما تركيا فلها قضية مع الاكراد ولها عداء مع النظام السوري، ومن خلال قواتها او ميليشيات تتبع لها مما يسمى المعارضة السورية فهي موجودة في الشمال السوري وفي مناطق ليست صغيرة، ولعل المشروع التركي الاخير الذي قالت انها ستنفذه بإنشاء منطقة عازلة بعمق ٣٠ كم داخل الاراضي السورية خطوة كبيرة ليس فقط لترحيل مليون لاجئ سوري اليها بل لتحقيق اهداف تركية في قضية الاكراد لكنه ايضا يغير من خارطة سوريا الجغرافية.
ما بين الحلفاء والاعداء يجري تقاسم الجغرافيا السورية وتحت عنوان الضرورات الأمنية يتسلم الحلفاء السيطرة على جغرافيا مهمة في سوريا، والأهداف الأمنية والاقتصادية جعلت اعداء النظام يسلبون سوريا اجزاء مهمة منها لتصبح كل هذه الجغرافيا خارج إطار الدولة السورية.
لم يحدث تقسيم سوريا لكن التقاسم هو ماجرى ويجري من الحلفاء والاعداء ،وسوريا بعد الحرب جغرافيا ليست كما كانت قبل الحرب..