للديموقراطية مظاهر وأشكال كثيرة منها الانتخابات، ومنها المشاركة في صنع القرار، ومنها الحق في الاختلاف وتعدد وجهات النظر، ومنها الاحتجاج والتظاهر السلمي، ومنها النقد البنّاء..وغيرها ، وفي الديموقراطية التشاركية كما في عدد من دول العالم، يحق للناس جمع التواقيع حول موضوع معين وإبطال قرار مجلس النواب المتعلق بهذا الموضوع إذا لم يرض عنه الشعب أو لم يلق التأييد الكافي.. فمشاركة المواطن لا تنتهي بالمصادقة على القانون أو القرار، بل يبقى معنيا بتطبيق هذا القرار وتقييم فعاليته العملية. بعد أن شارك أصلا في الخطوات التي أدت إلى تبني القانون أو القرار وإعداده واتخاذه.
المهم أن الأمم والشعوب التي عرفت معنى الحريات ومعنى الديموقراطية، وآمنت بحق جميع الناس في التعبير عن آرائهم، وفي العيش بسلام ضمن أطر تحكمها المحاسبة والشفافية، من غير المقبول لديها التراجع عن هذا الحال قيد أنملة، لأن أي تراجع على المستوى الديموقراطي لا يصب في مصلحة البلد ومستقبله، فحقوق المواطنة محفوظة للجميع بدون استثناءات، والمسؤول يحرص على المصلحة العامة وعلى حرية الرأي والتعبير، لأنه يعرف أنه مراقب ومحاسب (بفتح القاف والسين), وهو في الوقت نفسه مراقب ومحاسب (بكسر القاف والسين) خارج الخدمة العامة وداخلها، بوصفه مواطنا من حقه إبداء رأيه في كل ما يخص بناء الحياة في مجتمعه، فإذا حرم الناس هذا الحق يكون قد حرمه لنفسه بصورة أخرى، إذ يتساوى الناس أمام القانون والقضاء.
وهذا الوضع بالتأكيد هو الذي حرّر عقول الناس في تلك المجتمعات، ووجهها نحو اختبار العلوم والاكتشافات، وأكسبها صفات المغامرة والتميز.., لتغدو الحياة بالنسبة لهم قيمة عظمى،
وسلسلة من المتع التي لا تنتهي، مهما كانت اختباراتها قاسية.
في مجتمعاتنا تظن بعض الفئات أن إخضاع الآخر بطولة، وأن الحوار له هدف واحد هو جلب الآخر إلى خندقه، وأن الإقصاء هو الحل الأمثل، متناسين أن المختلف معنا في الرأي هو الممثل الآخر للحقيقة، التي لا يملكها أحد، وهي دائما مختلفة عما يظن أي طرف. وأن النقد البناء بمنزلة العين المبصرة، واليد الساعية إلى الخير.
غير أنّه من المبهج أن جلالة الملك يحمل رؤية عظيمة لهذا البلد تتمثل في ضمان وكفالة الدولة والدستور لحرية الرأي والتعبير، التي يمثل سقفها لديه السماء، وقد أوعز للحكومة قبل مدّة وجيزة بزيادة مشاركة المواطنين في صنع القرار، وأكّد ذلك في زياراته الأخيرة للمحافظات، وهذا يعني أن لا تراجع عن الديموقراطية في بلدنا ، أي بصورة أخرى لا تراجع عن الإصلاح السياسي، مع ضرورة توسيع مشاركة المواطنين لتحقيق هذا الإصلاح، ولهذا فإننا نأمل أن نعود لنلمس ذلك في ممارساتنا اليومية مواطنين ومسؤولين في مستقبل الأيام، إذ لا بد من أخذ الإرادة العامة دائما في الاعتبار عند اتخاذ أي قرار أو تطبيقه.
reemmr24@yahoo.com
الراي