(بلا فلسفة زايدة) من اكثر العبارات و التعليقات التي قد نسمعها عند طرح احدهم لفكرة قد لا تلقى القبول او الإستحسان من الآخرين ، بل و قد يتطور الأمر الى مهاجمة صاحب الفكرة ذاته و إتهامه جزافاً لمجرد الإختلاف في الرأى ،
هذا يسوقنا الى التساؤل عن مدى حاجتنا الى تعليم النشىء طلاب المرحلة الدراسية اصول و كيفية تبادل الحوار و قبول الآخر ، و التشجيع على التفكير النقدي من خلال عرض الفكرة و الدفاع عنها بالإقناع وتقديم الحجج و البراهين ، من خلال التفكير القائم على العقل و المنطق ، بحيث يكون المجال متاحا أمام الجميع لطرح افكارهم و تقدير و إحترام هذا الإختلاف بالرأى و إعتبارهذا التنوع هو من قبيل اكتساب المعارف و زيادة الوعي القائم على التفاعل الإيجابي مع الأخرين .
ولطاما أُثيرت في الآونة الأخيرة تساؤلات كثير من العاملين في حقل التعليم و التربية ، عن سبب عزوف مدارسنا و مناهجنا الدراسية عن تدريس مادة الفلسفة منذ ما يزيد عن اربعة عقود من الزمن ، على الرغم من الحاجة الملحة لتعليم النشىء عن ماهية التفكير الناقد و الإبداعي ، بدلا من الإعتماد على الأساليب التقليدية المتمثلة بإسلوب التلقين و الحفظ ، وذلك لمواكبة التطورات الفكرية و توسيع مدارك عقول الطلبة ، بتشجيعهم عى البحث و التحليل بتجرد و التفكير خارج الصندوق .
ففلسفة التفكير الناقد تقوم على توسيع أفاق التفكير بحرية و حكمة و عدم الحجر على أفكار و آراء الآخرين .
فلم يعد مقبولا و نحن على أعتاب حقبة زمنية جديدة من عمر الدولة الأردنية ، هذا التخوف المجتمعي الموروث الغير مبرر من إدراج مادة الفلسفة و التفكير الناقد في المناهج الدراسية ، و إظهارها و كأنها إتجاه فكري يهدد الثوابت بكافة اطيافها، بخلاف ما هو معلوم من أن مادة الفلسفة تقوم عى قبول الرأي و الرأي الآخر و محاربة التشدد و التطرف في الدفاع عن الفكرة و التصدي لما يعرف بظاهرة العنف في الجامعات و قبلها ما يسمى بالتنمر في المدارس بين الطلبة على إختلاف مستوياتهم الدراسية ، من خلال تعليم الطلاب إحترام الآخرين إتجاهاتهم و آرائهم ، أفكارهم و معتقداتهم ، و تشجيعهم على التعرف على وجهات النظر المختلفة و الإيمان بأن الحقيقة ليست ملكا لأحد و من أن الإختلاف لا يعني الخلاف ،
وما دمنا نتحدث عن تحديث منظومة التعليم فليس اولى من اعطاء مسألة تجويد المناهج الدراسية الأهمية القصوى ، و ذلك بإعادة صياغتها و تحسين مضامينها بحيث تتوائم مع التطور المتسارع في حقل المعرفة و العلوم بغية إحداث نقلة نوعية في التعليم المدرسي في بلادنا ، تعليم يقوم على تحويل الطالب من مجرد متلقي الى طالب مفكر و منتج مؤمن بمبادىء العدالة ، حقوق الإنسان وفي احترام الأديان و ثقافات الشعوب ، وخلق جيل يسهم ليس فقط في إكتشاف أخطاء المجتمع لا بل في محاولة إيجاد الحلول .فإدراج مادة الفلسفة ضمن مناهجنا الدراسية لم يعد ترفا و إنما ضرورة تحتمها مواكبة عصر التطور و المعرفة ،
وقد لخص قول ارسطو أهمية الفلسفة في حياتنا عندما قال « علمتني الفلسفة أن أفعل دون اوامر ، ما يفعله الآخرون خوفا من القانون«.
الدستور