مسيرة الاعلام والحرب الاقليمية
د. حازم قشوع
28-05-2022 11:48 AM
يصادف يوم 28 أيار من كل عام عيد وطني للصهاينة يسمي عيد توحيد القدس، حيث تجرى في هذا اليوم مراسم سياسية وطقوس دينية تؤكد على اسرائيلية بيت المقدس ويهودية القدس الموحدة، حيث يتم عبر هذا اليوم من تنظيم مسيرة تسمى مسيرة الاعلام تدخل للقدس من أحد أبوابها وتنتهي بحائط البراق (حائط المبكى)، حيث يتم اقامة الشعائر الدينية اليهودية .
هذا العيد الديني الذي تسميه القيادات المتطرفة الصهيونية يوم استعادة القدس لحاضرتها اليهودية بعدما تم اكمال السيطرة على القدس، حيث تم الاعلان عنه أول مرة سنة 1968 وهو العام الذي تلا نكسة احتلال القدس الشرقية عام 1967 في محاولة من هذه القيادات تثبيت حدود القدس الموحدة الغربية والشرقية تحت السيادة الاسرائيلية ضاربة بذلك قرارات الشرعية الدولية ومخالفة كل الاتفاقات البينية التي أكدت جمعيها ان القدس الشرقية هي عاصمة للدولة الفلسطنية، وان الوصاية الهاشمية هي المسؤولة عن حماية الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية.
وعلى الرغم من مخالفة هذا الاحتفال نظام الضوابط والموازين المتفق عليها، ومعارضته للاعراف الحضارية ومخالفته ايضا لقرارات الشرعية الدولية، إلا ان حكومة الاحتلال تحاول في كل عام تحاول اضفاء شرعية خاصة عبر السماح باقامة هذه المسيرة، وتنظيم ممارسة هذه الشعائر التي في ظاهرها ديني لكل باطنها يحمل بعدا سياسيا يؤكد على "أسرلة القدس الموحدة".
وعلى الرغم من إجهاض المقاومة الفلسطينية لهذه المسيرة في العام الماضي بعد معركة بدأت بمقاومة شعبية عنيفة من حي الشيخ جراح تخللتها مظاهرات واسعه اتسعت حتى اشتملت كل الضفة الغربية وغزة، كما كل المدن في مناطق الاحتلال الاولى، اضافة الى حالة غليان في الشارع الاردني وصلابة موقف القيادة الهاشمية، كادت ان تتحول مناخاتها لحرب اقليمية بعدما استخدامت اسرائيل طيرانها وردت المقاومة بصواريخها القادمة من غزة، اضافة الى مظاهرات عمت عواصم عديدة كما شوارع ومدن أمريكية رئيسة، حتى تدخلت الادارة الامريكية واوقفت الاعتداءات الاسرائيلية واعلنت التزامها بعد تغيير نظام الضوابط والموازين المتفق عليها حول الاماكن المقدسية، والتزام الجميع بقرارات الشرعية الدولية.
غدا سيكون يوم مسيرة الاعلام، حيث أعطت حكومة الاحتلال إذن الاجازة والحماية لهذه المسيرة التي ستجوب أحياء القدس القديمة عبر باب العامود، وهذه المرة ستخترق المسيرة شوارع الحرم القدسي باتجاه حائط البراق في محاولة بائسة من بيت القرار الامني بإسرائيل لتغيير نظام الضوابط والموازين الذي كان جلالة الملك والرئيس جو بايدن قد أكدا عليه في البيت الابيض قبل اسابيع عندما تم التأكيد على الوصاية الهاشمية المقدسية وعلى عدم إحداث تغيير في نظام الضوابط والموازين المتفق عليه حيال ذلك.
مسيرة الاعلام هذه تأتي بعد زيارة جلالة الملك الناجحة الى الولايات المتحدة، والتي تخللها ترتيبات في الاماكن المقدسة أبقت على الشرطة الاسرائيلية وأخرجت الجيش الاسرائيلي من هذه الاماكن، وزادت من اعداد الحرس للحرم القدسي الشريف التابع للاوقاف الاردنية، لكنها تأتي أيضا قبل اسابيع من الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس جو بايدن للمنطقة، الأمر الذي يجعل هذه المسيرة تأخذ طابع التحدي للقرارات المتخذة في البيت الابيض.
كل ذلك، يجعل من هذه المسيرة تشكل عنوان مرجعية لصانع بيت القرار الامني في المنطقةـ فإما ان ترضخ اسرائيل للتوافقات الامنية التي فرضتها القيادة المركزية الوسطى، أو أن تقوم بالتمرد على هذه القرارات، وهذا ما سيدخل الحكومة الاسرائيلية في مأزق يقوم على أمرين، فأما أن تذهب مع أجنحة التطرف أو تعلن فشل التركيبة الحكومية، وهذا ما يستدعي من نفتالي بينت تحمل المسؤولية والتدخل السياسي وعدم الانجرار مع الجناح المتطرف الذي أدخله نتياهو في بيت القرار الامني قبل خروجه من الحكومة.
فهل سيدرك نفتالي بينت هذا الاستخلاص الامني قبل دخوله بحائط الاستحاق السياسي؟، يبقى سؤال برسم الاجابة عند القرار السياسي الاسرائيلي يوم غد، فإن قراءة الأجواء المحيطة يحتم على الحكومة الاسرائيلية عدم المغامرة بقفزة هوائية قد تكسر ساقها هذه المرة وتجعلها غير قادرة على الوقوف مرة أخرى بعد حادثه اغتيال شيرين ابو عاقلة، لأنها ستكون مغامرة خاسرة، والخسارة فيها ستكون فادحة إلا إذا أرادت من وراء ذلك إدخال المنطقة بحرب اقليمية ؟!.