يحتفل الأردنيون، في الخامس والعشرين من أيار، بالعيد السادس والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، والذي تتجدد فيه معاني الاعتزاز والفخر لدى الأردنيين بتحمل مسؤولياتهم تجاه وطنهم، وحماية مكتسبات الاستقلال ومنجزات الوطن، ويتطلعون بعزم وثقة إلى المستقبل الأفضل الذي ينشدون.
في هذه المُناسبة الكريمة ذات المعاني الخالدة لا يسعُني إلا أن أهنئ القائد والوطن والشعب الأردني؛ فالاستقلال ليس بالحدث العَابر أو المُناسبة الاحتفالية الشكلّية، وإنما هو مشروع حياة، أراده الهاشميون، ويجب أن يكون وِقفةً مع الذات وسؤالاً نطرحُه على أنفسنا وعلى مؤسساتنا، هل أوفينا الاستقلال حقه؟ وهل استفدنا من نتاجاته؟ وهل وظّفنا ثمارَ الاستقلال في مؤسساتنا الوطنية وعلى رأسها مؤسسات التعليم العالي (الجامعات) وأنظمتها التعليمية حق التوظيف وخير الاستثمار بما يعودُ بالخيرِ على أبنائنا الطلبة والكوادر التدريسية والإدارية والنظام التعليمي برمته.
الاستقلال سيرةً حافِلةً (دفّاقة) مليئة بالإنجازِ وَالعطاءِ وَالإِصرار، وهذا هو جوهره الذي يجب أن ينعكس على كافة مؤسسات الوطن وعلى رأسها مؤسسات التعليم العالي الأردنية، عبرإحداث نقلة نوعية في نظامنا التعليمي تتماشى مع مُعطيات وحاجات التطوّر، وإعادة تنظيم وتطوير العملية التعليمية والخطط الدراسية والمحتويات التعليمية في ضوء التطور الرقمي لتناسب السياق المحلي، وتطوير الموارد البشرية بكافة اتجاهاتها (أكاديمية وإدارية) والارتقاء بمهارات القوى العاملة وإكسابهم مهارات جديدة تتماشى وروح العصر.
في ذكرى الاستقلال نحتاجُ إلى نهضة شمولية في التعليم العالي ومؤسساته وتطوره، نحتاجُ إلى الاعتناء بالمبدعين فيه وتمكينهم، وتطوير البحث العلمي لينسجم مع حاجات المُجتمع وتطلُعاته ويساهم في حل مشاكله، نحتاجُ خريجين يقودون مؤسسات الوطن وهيئاته ومنظماته ومصانعه ومُنشآته نحو التقدّم، يديرون عجلة الإنتاج في الوطن، ينتقلونَ إلى السوق الإقليمي والعالمي بمهاراتهم وابداعهم، نحتاج في الاستقلال إلى أن نواكبَ كل جديد ومُفيد، وأن تكون لنا اسهاماتُنا في خدمة مُجتمعاتنا على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي.
رغم محدودية امكاناتنا إلا أن البنائين من (أبناء الأردن) استطاعوا أن يصنعوا الاستقلال –الذي يعني المجد والنماء- مُتحدّين مشقة الظروف حتى صنعوا ما ننعمُ به اليوم من مجدِ وعزة ومؤسسات راسخة، فَشيّدوا صُروحَ الوطَنِ الشَامَخَةِ بِحِكمَةٍ وَحِنكَةٍ قلَّ نظيرُها، رِجالٌ واصلوا الليلَ بالنَهار بِكُلِّ عَزيمةٍ وَثبات، جُلَّ همِّهِم وَغايَتِهم أن يبقى الأُردُن قويّاً عزيزاً منيعاً، وواحةَ أمنٍ واستقرار، رَغمَ أَلسِنَةِ اللهَبِ وَالنِّزاعات التي تعصِفُ من حَولِه، لِتَظَلَّ المَملَكةُ شاهِدَاً حيّاً على حُلُمِ الحُريَّةِ والمجد والرفعة.
في ذكرى الاستقلال لا يسعُنا إلا أن نتمثل معانيه وأن نحميه بالمُهج وأن نصونه مُنجزاً وقيمة وفعلاً تطبيقياً لتتوالى الإنجازات التي تشمل كافة مناحي الحياة، ولنا في قائدنا الملك المُعزز خيرُ قدوةٍ، في قيادة الأردن بحكمة وبصيرةٍ ثاقبة نحو العُلا، فقد ركزُ جلالتهُ دوماً في كافة المنابر والمُناسبات على الشباب باعتبارهم العُنصر الأهم في قيادة العملية التنموية وبناء الأردن والمُضي به قُدماً، فصونُ مكتسبات الاستقلال يتطلبُ الإعداد الحقيقي لمواجهة كافة التحديات تمهيدا لانطلاقة جادّة تُرسّخ مِنعة الوطن وتجذّرُ قيم المواطنة والعدالة والديمقراطية.
لقد كانت الأوراق النقاشية لجلالته خيرّ مرجعية قدّمت الخطوط العريضة لتمكين الأردن وأبنائه من أداء دورهم الريادي القيادي داخلياً وإقليمياً ودولياً تجسيداً للمكانة التي يستحقها، حيثُ ركز جلالته فيها على الإصلاح بعناوينه السياسية والاقتصادية والإدارية، المؤدية إلى تعزيز المسيرة الديمقراطية والتنمية الاقتصادية البشرية ليتمتع الأردن بالمنعة الداخلية والخارجية وليكون الانموذج.
في الاستقلال لا نريدُ رغم كُل التحديات والمُعيقات النكوص أو التراجُع أو الملل، نريدُ بناءً لا يتصدُّع نريدُ إنساناً أردنياً فاعلاً، نريدُ نهجاً اردنياً متميزاً في مختلف القطاعات وعلى كافة الاتجاهات لتكريس الاستقلال، وتجذيره، والحفاظ على المنجزات والبناء عليها وتجاوز الأزمات.
(الراي)