نحتفل بعيد استقلالنا 76 وسط تحديات وأزمات اقتصادية مختلفة يشهدها العالم، فأزمة الغذاء والقمح وغيره تؤرق العالم، وتحديات الطاقة وأسعار النفط وتقلباتها تهدد اقتصادات كثير من الدول، وعلوم التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي تنذر بخطر فقدان ملايين البشر لوظائفهم، إلى جانب مشكلات الدول في تزايد الديون والعجز عن القدرة على التسديد.
الأردن ليس بمعزل عن العالم؛ وما نشهده من تحديات وأزمات اقتصادية، تتطلب منا أن ننظر لمستقبلنا الاقتصادي بعين الخبير المتتبع للتفاصيل والآثار بكل دقة وحكمة، فقد وصلت ديون الأردن لأرقام كبيرة، مقارنة بحجم اقتصادنا، كما أن فوائد الديون تزداد لدرجة أننا أصبحنا بالكاد نسددها مع ثبات أصول الديون، وهذه مؤشرات غير مقبولة، وفي الوقت نفسه هناك ارتفاع بمعدلات التضخم، وانخفاض في الإنفاق بشكل عام، وهو ما قد يؤثر على الطبقات الاجتماعية المختلفة، وعلى تخفيف الإنفاق على الصحة والتعليم وغيرها من المتطلبات الأساسية حالياً ومستقبلاً.
المطلوب اليوم إعادة ترتيب أولوياتنا الاقتصادية، وترتيب الملفات ذات الأهمية في التوازن المالي والضريبي، وإعطاء ملفات الفقر والبطالة اهتماماً أكبر، والتركيز على تفعيل التعاون مع القطاع الخاص بشكل أكثر جدية وفاعلية، والنظر لملف الاستثمار برؤية منفتحة وأكثر واقعية وبعيداً عن بيروقراطية الموظف والمسؤول، ومطلوب منا أن نستثمر في طاقات وامكانات الشباب الأردني المبدع؛ بعد أن أصبحت الهجرة حلمه وطموحه الأول والأخير.
وكوننا نحتفل بالاستقلال وسط إنجازات متنوعة في قطاعات عديدة بنيت على مدار 100 عام؛ يجب على الجميع أن يكون على قدر المسؤولية في المحافظة على تلك الإنجازات والبناء عليها، فعمر الدولة يكبر وعدد سكانها يزداد وتحدياتها تتنوع؛ وهذا كله يتطلب أن نواكب التطور والتقدم الذي يشهده العالم من حولنا، ويجب علينا أن نغير من أساليب التفكير والعمل، وأن نكون أكثر إنفتاحاً وأوسع أفقاً، وأن يكون أداءنا أكثر فاعلية وأكثر إنتاجية في أعمالنا.
المستقبل أمامنا والعالم لا ينتظر أحد، وعجلة الاقتصاد والتنمية في بلادنا أمامها الكثير من الخطوات من أجل مواصلة بناء الأردن، وتعزيز حضوره في كافة المحافل الدولية بجهود أبناءه، ويجب على الحكومات أن تكون على قدر المسؤولية في التفكير والتخطيط والتنفيذ على الأرض، وأن تكون أكثر سلاسة وتعاون في تسهيل الأعمال والنشاطات الاقتصادية، وأن تطور أنظمتها وقوانينها لتواكب متطلبات العصر الحديث، وأن تنظر للشعب الأردني على أنه صاحب كفاءة ومقدرة على صنع الإنجازات والنجاحات؛ إذ ما هيئت له الأرضية الاقتصادية والقانونية والتنظيمية التي تعينه على التميز والإنطلاق نحو المستقبل.
الأردن الذي نحتفل باستقلاله بكل فخر واعتزاز بإنجازات جيشه وشعبه وبعزيمة قيادته، يتطلب منا أن نقدم أفضل ما لدينا على كافة المستويات، ولكن يبقى الاقتصاد هو المحرك الرئيسي لكل ما نطمح بتحقيقه، وبالتالي على الجميع أن يسعى لتقويته ودعمه وتطويره.