ترجّل في الغربة الخال الشهم الحشم سمير خليل نصّار حتّر، بعد 65 عاما على خروجه قسرا من الوطن الذي عشقه وحمل تفاصيله في حلّه وترحاله خلف الأطلسي.
بين اقتلاعه من السلط عام 1959 وارتقائه إلى جوار ربّه، ظلّ "أبو العزّ" مسكونا بالوجد والتوق إلى ميادين مدينته العتيقة وعبق أزّقتها. كلّما هزّه الشوق وطوّحه الحنين، كان هذا العاشق يستحضر تاريخ المدينة ويرسم ملامح حجارتها، كما يستذكر رفاق الصبا ويسرد خصال شيوخها وبطولات أجدادهم.
على مدى 65 سنة، صنع حضرة غيابه في الوطن وكأنّه لم يبرحه قط؛ فظلّ مزروعا بين الضلوع وفي الوجدان. لطالما أدهش مجالسيه بأشعاره النبطية العذبة وأهازيجه الريفية الرقراقة من مخزون طفولته وصباه.
خلال فترة تدريسه القصيرة في مدرسة السلط الثانوية، نسج الخال صداقات متينة مع العديد من رجالات الوطن وظلّ على صلة معهم، خصوصا في الأفراح والأتراح.
لم ينجب أبو العزّ في المهجر، لكنّ أبوته الفطرية وعنايته الاستثنائية شكّلت قنطرة نجاح لأبناء أخويه وأحفادهما. ظلّ بيته عنوانا للوئام وجسر محبّة يجمع في ظلاله الأقرباء والزوّار في الغربة.
اليوم أبو العزّ يفارقنا مجددا؛ الأولى حين اضطر لهجرة وطنه بسبب قناعاته الحزبية ونشاطه السياسي في مطلع شبابه.
فما أصعب الموت بعيدا عن مرابع الصبا ومهوى الفؤاد.