أمير شرق الاردن .. بعيون عبرية
أمل محي الدين الكردي
24-05-2022 12:55 PM
بدأ الملك المؤسس عبد الله الاول بن الحسين (الأمير انذاك) الذي أسس الدولة الاردنية في 11 نيسان عام 1921م تحت مسمى "إمارة شرق الاردن" وتم في عهده اعلان استقلالها وبمسمى المملكة الاردنية الهاشمية بدلاً من امارة شرق الاردن عام 1946م ،وخلال فترة حكم المغفور له شهدت إمارة شرق الاردن انجازات ومحطات مهمة في تاريخها كان أبرزها تأسيس القوات المسلحة الاردنية والتي تعود جذورها الى عام 1921م حيث شكلت نواته من رجالات الثورة العربية الكبرى.وقد كان هم الامير المؤسس أن يكون للأمارة جيش يحمي ارضها وشعبها ،خاصة أن ظروف التأسيس كانت بالغة الصعوبة من حيث المعاناة بعد الحرب العالمية وكان الواجب الاساسي توطيد الأمن والاستقرار في البلاد.
وكان المغفور له الملك عبد الله الاول محط انظار العالم انذاك بالتحديات التي واجهته . والاهم من ذلك الاهتمام بصدور كتاب باللغة العبرية بعنوان (عبد الله أمير شرق الاردن) للمحامي اليهودي دي حاييم نعمان والمعروف في ذلك الوقت للعرب بصفته رئيساً لفرع جمعية التقارب والتعاون بين اليهود والعرب في القدس الشريف . والذي احتوى هذا الكتاب على العديد من الصور التي تمثل منظر من شرق الاردن وبعض من شخصياتها ولكن الاهم كان يزين الغلاف صورة المغفور له الملك عبد الله الاول وكان يتناول هذا الكتاب القسم الاول منه حياة الامير عبد الله انذاك بجميع ادوار حياته وأثر مكه المكرمة مسقط رأسه والاستانة مهوى فؤاده في نفسه كما يبين مدى مساهمته في الثورة العربية الكبرى وعلاقته بمختلف الاحزاب السياسية العربية وبعدد من كبارالسياسيين الانجليز الذين لعبوا دوراً خطيراً في اقرار وضع البلاد العربية التي انسلخت عن الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية .وتحدث القسم الثاني عن جغرافية شرق الاردن واقتصاده وانظمته السياسية والادارية والحقوقية واعلامه وسكانه ويبين الاسباب التي ادت الى تقدمه في العهد الاخير وازدهاره وعن حجم الاستثمار بجميع موارده وفقاً للمبادىء الاقتصادية العصرية .أما القسم الثالث فقد خصص لنصوص الوثائق السياسية التي ورد ذكرها في الكتاب والتي احتوت بعض محتوياته عن القضية العربية وتطوراتها على ضوء المستندات الرسمية التي يملكها المؤلف ،وقد أفتتح المؤلف كتابه بالجملة التالية : إني لأشكر سمو الامير عبد الله من صميم قلبي على الضيافة والرقة التي لقيتهما عندما تشرفت بزياره قصره العامر في عاصمة بلاده عمان .ونلاحظ من خلال كتابه شده اعجابه بالاسرة الهاشمية الكريمة ولا سيما سمو الامير عبد الله اذ انه لا يترك فرصة تمر – وقد يخلقها في كتابه او حسب ما وصف بالاماكن العامة في حينه الا يغدق عليه فيضاً من عبارات التقدير الصادرة عن شخصيات انجليزية مشهورة في عالم السياسة والادارة . وعلى سبيل المثال سأكتفي بفقرات وردت من صفحات مختلفة من الكتاب ومنها فقرة من خطاب المستر تشرشل في البرلمان الانجليزي في يونيه عام 1921 م يقر فيه أن تأييده للقومية العربية لا يتم ولا يكون الا بتأييد الاسرة الهاشمية .وردت فقرة اخرى من خطاب القاه السير هربرت صموئيل – اذ كان مندوباً سامي لفلسطين – في عيد الاضحى المبارك لعام 341الهجري بعمان تبين حزم سمو الامير عبد الله في توطيد الامن في البلاد . وذكر بعبارة اخرى في كتابه : لم يمضي عامان على استلام الحكم في شرق الاردن حتى خرجت البلاد من عهد الاضطرابات والفوضى ودخلت عهد السلام والتقدم .وفي فقرة اخرى من خطاب القاه بيك باشا في الجمعية الاسيوية الملكية عام 1939م تبين مدى نفوذ سمو الامير عبد الله وسماحة نفسه وحنكته السياسية فيقول: اني لواثق ان نفوذ سمو الامير هو احد الاسباب الرئيسية التي تحول دون نشوب ثورة او اضطرابات في شرق الاردن وقد تسنى لنا ان نتحقق بأنفسنا في ظروف مختلفة بأن الامير لا يثأر ولا ينتقم فهو برغم القبائل والافراد الذين يعبثون في البلاد عن الاستسلام والخضوع ولكنهم يستسلمون ويخضعون ويعاملون برق ولطف . حتى إن اعداء الامس اصبحوا اصدقاء اليوم . ولم يكتفي المؤلف بسرد آراء كبار رجال السياسة بل شغفها بآراء رجال العرب ومن هذه الآراء رأي محرر جريدة الف باء الدمشقية في احد الاعداد من شهر ايار عام 1935م حيث يقول ان سمو الامير عبد الله خير رجل على الاطلاق لأدارة شؤون الامة العربية أن اصلح رجل على الاطلاق لادارة شؤون العرب هو الامير عبد الله بن الحسين الذي اشتهر خلال الثورة العربية والحرب العالمية بمواهب خاصة يضاف الى ذلك سموه ليس متعصباً من الوجهه الدينية إذ يعيش في كنفه المسلمون والمسيحيون على قدم واحدة من المساواة .وقد وضع المؤلف في كتابه آراء عديدة من انجليز وعرب ولم يسثتنى رايه الذي كان اسرافاً في الاعجاب والتقدير وقال : ان سمو الامير عبد الله هو بدوندون ريب اوفر حكام البلاد الاسلامية علماً وادباً .فعدا تضلعه من الادب العربي القديم ومعرفته العميقة بالقرآن الكريم واطلاعه الواسع في التفاسير والاحاديث فهو متضلع كذلك في الشعر العربي ويحفظ عن ظهر قلب الآف الابيات وقد خصص الكاتب الفصل الاخير من الكتاب للتحدث عن سمو الامير اديباً وشاعراً . الامير عبد الله ليس رجل سياسة وادارة فحسب بل هو رجل علم وادب وهو لا يجري عليه في ادبه على ما يجري عليه حملة الاقلام في العصر الحالي وانما ينزع الادب القديم العربي ولا سيما الجاهلي ويثأتر به على قدر المستطاع.وهو يتخذ البلاد العربية موضوعاً لأكثر قصائده فيصف بواديها وصحاريها وحياة سكانها وما هي عليه هذه الحياة من بساطة وخشونة ،وما هم عليه هؤلاء من اخلاق وعادات وتقاليد ويعد شعره من اصدق ما نظم في البادية والبدو في ذلك الحين.
والى جانب ذلك وصف اعجابه بالقصائد الدينية التي يتغنى بها بالاسلام والمسلمين ومكة المكرمة التي يحبها حباً مزدوجاً لكونها مسقط راسه من جهة وعاصمة المسلمين الدينية من جهة اخرى . عدا عن ذلك وصف الشعر العاطفي للمغفور له بأنه يصور نزعاته واختلاجاته في عدد كبير من القصائد التي نظمها تخليداً لحوادث اتفقت مع حياته الخاصة . ومع ان المغفور له شاعراً فقد كان يتسم بصيغة ادبية كان يتجلى في صياغة اللفظ ولشدة حرصه على الصياغة الادبية كان يكتب خطاباته ورسائله بنفسه ولا يعتمد على احد في ذلك .وذكر الكاتب اسماء الكتب والمجلدات التي كانت تخص المغفور له الملك عبد الله الاول رحمه الله وذكر عن مكتبته الخاصة التي كانت حافلة بالكتب والمخطوطات النادرة والتي كان يقضي يومه بالساعات بها . وقد تمكن الكاتب نعمان من اعطاء نبذة عن سمو الامير كاتب اديب وشاعر وسياسي مر بصعوبات وكذلك كتب عن يوم ولادته الى يوم انشاء كتابه هذه بالشرح والتعليق بحيث لم ينسى اشارة او كلمة الا اسهب بها ، اما الناحية السياسية والادارية دقق بها بتفكير عميق وكان يرجع الى المستندات والاوراق التي تشكل حياته وفي حينه كان العديد من الادباء والمهتمين بهذا الكتاب كانوا قد طالبوا ترجمة هذا الكتاب الى لغة الضاد الشريفة وأبدوا أسباب الترجمة لأهتمامهم أن يقرأ العرب عن رجل وضعته العناية الالهية في رأس حكومة شرق الاردن لصالحها وخيرها وان هذا الكتاب الذي احتوى معلومات يتضمن تفاصيل مهمة عن شرق الاردن واميرها العظيم لانهم باعتقادهم ان هذه المعلومات القيمة يجهلونها في حينه.
واود ان أشير بأن معظم الجرائد والمجلات وخاصة التي كانت تنشر بفلسطين ذكرت عن هذا الكتاب بدون تفاصيل وافية عنه ولكن هذا الكتاب اخذ اهتمام في حينه بداية الاربعينات وخاصة من اليهود الذين كانوا يدرسون عن البلدان المجاورة لفلسطين وعن الشرق الادنى دراسة علمية عميقة لتلائم اهدافهم .
ونبقى ان نقول بأن الاردن ما وصل اليه اليوم ليس الا بحروب طويلة ومفاوضات شاقة وطويلة ونستذكر كلمات المغفور له الملك المؤسس رحمه الله (نحن آل البيت إنما السبب في كل الممالك والزعامات العربية التي نراها اليوم ).
جاء الملك المؤسس الى ارض الاردن مجاهداً وقضى شهيداً على ارض القدس الطاهرة وما كتب بالماضي والحاضر ما كان الا القليل القليل عن المغفور له جلالة الملك عبد الله الاول رحمه الله.