رغم الظروف المعقدة التي تعصف به على مختلف الجوانب الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية وتجاوز الوضع المعيشي للمواطن اللبناني خطوط الفقر المدقعة بسبب التجاذبات السياسية الخارجية و الداخلية على ارضه الأمر الذي اوصله في كثير من الأحيان إلى اليأس والهجرة إلى الخارج.
يظل لبنان علامة فارقة بين كثير من الدول العربية في ديموقراطيته الراسخة و مؤسساته الحزبية المؤثرة بشكل عميق على توجه اللبنانيين رغم الكثير مما يمكن الحديث عنه حول هذه المؤسسات الحزبية.
الاسبوع الماضي أجرى لبنان الانتخابات النيابية وسط ظروف تجاوزت بصعوبتها كل منطق على كل المستويات وكان رهان الكثيرين أن الانتخابات لن تجري لكنه نجح في إجرائها بصورة حضارية تليق بتاريخه الديموقراطي رغم بعض الأحداث التي عادة ماتحدث بأي انتخابات في العالم.
المتابع للشأن اللبناني يلاحظ جمال السمفونيات السياسية التي يعزفها اللبنانيون من خلال احزابهم سواء كان معها أم لا ويتبين للمراقب كم هي الثقافة السياسية متعمقة و متجذرة في الشارع اللبناني و هذا يعود الى تراكمات كبيرة عبر العقود من الممارسة السياسية.
لبنان منذ عقود اربعة وقع ضحية تجاذبات محاور متصادمة في المنطقة دفع ثمنها باهظا من استقراره السياسي و الاقتصادي و ربما الاجتماعي و لو أن بلد آخر تعرض لمثل هذه الضغوطات لإنهار منذ زمن بعيد.
اللبنانيون يتقنون السياسة بحرفية و يمارسونها بديموقراطية رغم حالات التصادم في الاراء والمواقف بين فئاتهم السياسية..
في السنوات الماضية عانى لبنان من تصادم المحاور في المنطقة على ارضه جعله ساحة حرب سياسية مشتعلة الأمر الذي أدى إلى ما وصل إليه اليوم من أوضاع معقدة على مختلف النواحي بسبب دفعه دائماً لثمن تصادم اجندات مختلفة على ارضه.
المعركةاليوم دائرة على أرض لبنان بين المحور العربي الذي يتمسك معظم اللبنانيون به لانه يمثل عندهم عمقهم الحقيقي و المحور الآخر بزاعمة ايران الذي يرى لبنانيون أنه سبب الأوضاع التي وصلوا إليها وأنه ابعدهم عن محيطهم العربي و يتحدثون اليوم أن حزب الله هو راس الحربة لجذب لبنان لتبعية ايران و بالتأكيد هذا الأمر من المستحيل قبوله دولياً و عربياً و الأهم لبنانياً لأن تركيبة اللبنانيين الديموغرافية تجعل من المستحيل تحقيق هذا الهدف.
على كل حال لبنان أجرى مرثوناً ديموقراطياً رغم مراهنات كثيرة على عدم قدرته القيام بذلك لكنه تخطى هذا الاستحقاق بنجاح ملفت قياساً بظروفه ،و النتائج جاءت تشير بوضوح أن التغيير في العملية السياسية هناك قد بدأ و أن لبنان يلملم جراحه بشرط أن يجد عمقه العربي جاهزا لاستقباله و دعمه والوقوف إلى جانبه و إلا سينفرد به المحور الآخر و وقتها سيكون الثمن غالياً عليه و على محيطه.
بيروت يجب ان تعود إلى مكانها الطبيعي في الصفوف الأولى بين العواصم العربية كمنارة ديموقراطية و ثقافية و نقطة جذب لكل باحث عن الحضارة و حرية التفكير و التعبير كما كانت.