بدأت تداعيات الازمة الروسية الاوكرانية تلوح في الأفق , خصوصا تلك التي يتلمّسها المواطن البسيط الذي لا يعلم أين تقع هذه الدول على الخريطة , فالرغيف الذي يبدأ به أغلب البشر خصوصا في البلاد العربية يومهم قد نشهد انقطاعه في القريب العاجل , هذا الرغيف بالرغم من صِغر حجمه , إلّأ أنّه قد يستطيع إعادة تشكيل الخريطة السياسية في العالم أجمع , فنفط الشعوب الأصفر إن صحّت تسمية القمح بذلك , هو أحد أهم العناصر الغذائية في العالم اجمع على اختلاف ثقافاتهم الغذائية.
بالتأكيد " ليس بالخبز وحده يحيا الانسان " لكن بالتأكيد لن تستمر حياته كما هي بدونه , فالقمح هذا العالم بات سلعة تتأرج على البورصات بإرتفاع وصل ل 60% بالمئة بالتزامن مع موجات منع تصدير و احتكار دولي للقمح , كالهند و روسيا و الكثير من الدول غيرهم , ما يهدّد بموجات ملايينيّة من المجاعة تتزامن مع أزمات جفاف و فيضانيات , هذه الحلبة الغذائية السياسية سوف تشهد توترات و تضاربات نتيجة قرارات هذه الدول .
الشرق الاوسط و عالمنا العربي ككل يندرج للأسف تحت مظلّة الدول المستهلك التي في النادر ما تُنتج أو ترتقي لإنتاج الاكتفاء و الفائض , بالرغم من وجود مؤهلات كثيرة , فالسودان مثلا إن استغلّت بالشكل الصحيح و تم حل الخلافات و النزاعات القبلية فيها , تستطيع أن تكون بمثابة سلة غذائية للعرب ككل إن لم تكن للعالم أجمع , ففيها أجود أنواع التربي و الطمي بالإضافة لغزارة مواسمها المطرية التي تساعد في نجاح أي تجربة زراعية فيها , لكن للأسف لا نقدّر نعمة تراب السودان و غيره من الدول التي تستطيع أنتاج الغذاء والمحافظة على ديمومة وفرته و استقرار اسعاره.
هنا في الاردن نحن لسنا بمنأى عن هذه التخبّطات , بالرغم من تفاخر الحكومة بمخزون استراتيجي من القمح إلّا أن هذا لا يكفي , فالتربة باتت تطلب فأس أهلها , فمهما اصابت التخمة مستودعات القمح سيأتي يوم يُسمع فيه صدى فراغها , فكل المؤشرات الاقتصادية و السياسية العالمية تشير لموجات مجاعة قادمة , تكون فيها للدول النامية حصّة الاسد منها , لذلك ازرعوا هذه البلاد يا حكومتنا , فسهول مادبا و السلط و جبال عجلون و جرش و الاغوار تطلب الاهتمام لترّده في احلك الاوقات , اضربوا عصافير عدة بحجر واحد , وفّروا الأراضي و التسهيلات و التحفيزات و المياه و الكهرباء لهذا الشباب الذي يريد العمل و اطلقوهم للأرض و بعدها لن نكون رهائن لمنظمة أو طيارة تحمل قمحاً يزيد عجزنا عجزنا , ولا ضرر بعدها من فائض يملأ الجياب و الخزائن .
قبل خمس سنوات عندما حصل الخلاف القطري _ الخليجي , كان جلّ اعتماد الدوحة على محيطها في تأمين احتياجاتها الغذائية , و ما إن دبّ الخلاف بين الاشقّاء حتى شعرت قطر بسلبيات الاعتمادية الكلّية على مصدر واحد و مورّد واحد , و بعدها بدأت تفتتح المصانع و تستصلح أراضٍ و تستأجر أخرى لسد احتياجاتها الغذائية , فمن يعتمد على مصدر واحدٍ في أيّ شيءٍ هو رهن له يُتاجر به في أي وقت , على أمل أن تضع حكومتنا خطة غذائية_ زراعية عاجلة تُجنّبنا أي عدم استقرار بيئي قد يحدث في الأشهر أو السنوات القادمة .