لا نريد الدخول في مقارنات بين اميرين، ولا زمنين مختلفين، لكننا نقف امام مفارقات سياسية، تثير الاهتمام، الى حد كبير، في هذه البلاد التي تواجه ظرفا حساسا جدا.
بقي الأمير الحسن ولياً للعهد أكثر من ثلاثين سنة، منذ عام 1965، إلى عام 1999، وقرر الملك الراحل تغيير ولي العهد ونقل الولاية من أخيه إلى ابنه، دون أن يخالف الدستور اصلا، لأن ولاية العهد تنتقل الى الابن الاكبر، هذا على الرغم من ان الأمير الحسن كان شريكا اساسيا وفاعلا في ادارة شؤون البلاد، وكان له فضل كبير في مجالات كثيرة، ولا احد ينكر مكانته ولا دوره.
لم يعترض الأمير الحسن، حتى وإن تأثر بشكل شخصي، فالتأثر هنا طبيعي وانساني، لكنه لم يعترض على قرار الملك، ولم يتصرف خلال عقدين ماضيين، بأي تصرف موجه ضد الدولة، او الملك، لأنه بكل مكانته رجل عاقل، يدرك ان المنافسة او المزاحمة او المناكفة، تضر الدولة، والناس، واستقرار الحكم في الأردن، وهكذا فضل ان يستوعب القرار، برغم كل ما له من علاقات شعبية، ونخبوية، وغير ذلك، مختارا ان يكون حاضرا باسمه قبل موقعه في الأردن.
للمفارقة هنا جاء تعيين الامير عبدالله، وليا للعهد، ثم أصبح ملكا، وتم تعيين الامير حمزة وليا للعهد بعده، لفترة قصيرة، كان فيها ابن الملك الامير حسين صغيرا في العمر، ولان التاريخ يعيد نفسه، مارس الملك الحالي صلاحياته الدستورية، ولم يخالفها، ولم يعتد على احد، فنقل ولاية العهد من اخيه الى ابنه الاكبر، وهذا امر طبيعي بالمعنى السياسي والدستوري والعاطفي.
لكن الذي حصل ان الامير حمزة لم يستوعب الخطوة، وبقي يشعر بالظلم، وانه تعرض الى الاقصاء، وللمفارقة الاكبر ان الكل يعرف ان من اسرار تغيير ولاية العهد عام 1999 ما كان يرتبط بعيدا عن الأعين بإعادة تموضع الامير حمزة، والتجهيز له، وكان البعض يعتقد انه سيأتي خلفا للملك الحسين، مباشرة، الا ان الترتيب آنذاك جاء بتعيين الابن الاكبر، الامير عبدالله، ملكاً ثم الاعلان عن الامير حمزة، بعده، ضمن تفاهمات عائلية، ادت الى خروج الامير الحسن من ولاية العهد، وقد دارت الايام، ليخرج الامير حمزة بذات النمطية، بعد ان قبل ضمنيا في يوم ما، ان يخرج الحسن من موقعه، من اجله فعليا، ولا يقبل اليوم ان يخرج من ولاية العهد، بذات الطريقة التي قبلها لغيره في العائلة.
نحن هنا لا نقارن بين عهدين، ولا اميرين، لكن يجب ان يقال ان الأردن لا يحتمل جره الى اي صراعات، او معارك داخلية، او خارجية، في ظل ظروف معقدة جدا، نعرفها جميعا.
لقد مثل الأمير الحسن، وهو كبير العائلة، نموذجا يتوجب الوقوف عنده، احترام القرار، والتراتبية، والتوجه، دون اي محاولة لاستثمار اي ظرف داخلي صعب لغايات محددة.
الكلام الهادئ الذي يجب ان يقال في ظرف مثل الذي عبرناه، ليس مجرد الاصطفاف مع طرف ضد طرف، ولا التطوع بالاساءة الى الامير حمزة، فله كل الاحترام، وما يقال هنا ان الأردنيين امام المشهد يقفون ويقولون سرا وعلنا، ان بلادنا لا تحتمل اي خلافات، وان احترام صلاحيات الملك الدستورية، هو الاساس، وان الملك نهاية المطاف، لم يعتد على حصة احد، او غنيمة احد، فهذا امر طبيعي، ان تعود ولاية العهد لابن الملك الاكبر، الامير الحسين، مثلما عادت ذات يوم الى الامير عبدالله، وقبل بالصيغة يومها الامير حمزة، كونه مستفيدا لاحقا.
حين تقرأ التعلقيات على السوشيال ميديا، تكتشف ان بعضهم يؤيد، وبعضهم يعترض، وبعضهم محتار، وهذا ملف يجب ان يطوى، لأن الأردن لا يحتمل كل هذه القصص، خصوصا، ان الاستثمار في الشعبوية فقط، وفي مظالم الناس، التي لا ينكرها احد، وفي تشابهات الصورة والصوت ولغة الجسد بين الأمير حمزة، ووالده الراحل، امر لا يكفي، لحل مشاكل الأردن، اصلا، لكننا شعب عاطفي، نعبر عن موقفنا بطريقة لا تقرأ الاخطار والكلف والنتائج، بل تفترض ان هكذا ملف، سهل ويمكن الانسياب في قنواته.
ليعذرني الأمير الحسن في هذا الصباح، فما أردنا فتح ملفات قديمة، لكننا نقول بحق انه مدرسة وازنة، يتوجب ان يتعلم منها الكثيرون في الأردن، كان هكذا وسيبقى دائما.
الغد