موقف الأردن من الأزمة الروسية – الأوكرانية
د.حسام العتوم
21-05-2022 11:12 AM
لعل أقوى تصريح معاصر وحديث لجلالة الملك عبد الله الثاني "حفظه الله" في الشأن الروسي في منطقتنا العربية، وتحديدًا ما له علاقة بأمن حدودنا الشمالية مع الشقيقة سوريا، والذي هو من أهم هواجس جلالة الملك، ومصدر قلق لديه ولدى الأردن والأردنيين، قوله إبان زيارته للولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا، وردًا على سؤال وجهه الجنرال المتقاعد الأمريكي "هربت ماكسماستر" ضمن البرنامج العسكري المتخصص (`Battlegrounds) الذي ينتجه معهد هوفر في جامعة ستانفورد الأمريكية، نشره موقع سكاي – نيوز عربية- بتاريخ 19 أيار 2022، عندما قال جلالته "إن الوجود الروسي في الجنوب السوري، كان يشكل مصدرًا للتهدئة في سوريا، مشيرًا إلى أن الفراغ سيملؤه الإيرانيون ووكلاؤهم، ومحذرًا من تصعيد محتمل للمشكلات على الحدود الأردنية، ومنبهًا من عودة حضور تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق وفي أفريقيا بعد عامين من إنتشار فيروس كورونا، وبأن زيارة جلالة الملك لأمريكا هي من أجل التنسيق الثنائي، وتوجه لعمل عربي مشترك. وما بإمكاني قوله هنا هو أن تصريح جلالة الملك جاء في توقيته الصحيح للرد أيضًا على موجات " الفوبيا الروسية " التي تواجهها دولة روسيا الإتحادية في منطقتنا العربية بعد الحدثين السوري والأوكراني أيضًا، وقوة التصريح الملكي رفيع المستوى تضاعفت قوته كونه صدر من وسط الولايات المتحدة الأمريكية قائدى القطب الأوحد المنافس لروسيا المعارضة له من زاوية قيادتها كقطب شرقي بارز لعالم متعدد الاقطاب.
وموقف المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك من الأزمة الروسية – الأوكرانية الحالية جسده بيان وزارة الخارجية الأردنية بتاريخ 22 شباط 2022 قبل يومين من إندلاع العملية الروسية العسكرية الخاصة اتجاه أوكرانيا 24 شباط المنصرم، بهدف تحرير شرقها ( الدونباس ولوغانسك )، وما حولها من تطرف فصائل "أزوف"، ولإنقاذ السكان الروس والناطقين بالروسية من الهجوم العسكري المتواصل منذ إنقلاب ( كييف ) عام 2014، ودعا البيان لضبط النفس، وهو الذي نقله مندوب المملكة الأردنية الهاشمية لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة السيد محمود الحمود، والذي شدد فيه على إستمرار المجتمع الدولي وجميع الأطراف المعنية في بذل أقصى الجهود لضبط النفس، وخفض التصعيد، وتسوية الصراع بالطرق السلمية، وإستعادة الأمن والإستقرار في المنطقة من خلال الحوار والمفاوضات في الفترة الحرجة، وضرورة إحترام القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وسيادة الدول وسلامتها الإقليمية، ومباديء حسن الجوار.
والأردن بقيادة جلالة الملك تفهم الموقفين الروسي والأوكراني وسط أزمتهما العالقة، ولاحظنا كيف تقدم وزير خارجيتنا السيد أيمن الصفدي وفدًا عربيًا للقاء وزيريِّ خارجية روسيا سيرجي لافروف في موسكو، وأوكرانيا ديميتروكاليبا في وارسو هذا العام 2022، وتكرر لقاء الصفدي منفردًا مع لافروف بتاريخ 4 نيسان من هذا العام، وشارك في مؤتمر (رامشتاين- القاعدة الأمريكية الجوية ) في ألمانيا حول أوكرانيا بتاريخ 26 نيسان 2022 وبحضور( 40 ) دولة عالمية شملت دول ( الناتو ) ومن خارجها، وهي المشاركة الأردنية التي لم تعني الإنحياز للطرف الأوكراني على حساب الروسي، وللأردن تاريخ عريق ومعاصر مع كلا البلدين الصديقين روسيا الإتحادية وأوكرانيا، ومثلما لروسيا قضية عادلة ومظلمة واضحة وسط الملف الأوكراني بمجمله مثل ( تهديد إستقرار السيادة الروسية عبر مشروع سابق لإنتاج قنبلة نووية وبالتعاون مع الغرب الأمريكي، ولدخول حلف ( الناتو)، والتسبب في مقتل 14 الفا من الأوكران – الروس من بينهم حوالي 500 طفل، وتشريد مليون غيرهم إلى وسط روسيا، ومكوث آخرين في غيرهم في الملاجيء منذ الإنقلاب الغرب أوكراني والغرب أمريكي في ( كييف ) عام 2014، ونشر أمريكا لـ (30) مركزًا بيولوجيًا في غرب أوكرانيا ضارًا بسلامة المواطن الروسي والسوفيتي السابق) ،ومن أجل ذلك وبعد اكتشاف استخباراتها للمؤامرة الغربية والغرب أوكرانية، وبدعوة من إقليمي ( الدونباس ولوغانسك )، وعبر معاهدة دفاع مشتركة، حركت المادة 51 7 من مواد الأمم المتحدة التي تسمح لدولة في منظومتها بالدفاع عن سيادتها، وتم إستشارة القيادة الروسية قبل تحريك العملية الروسية الخاصة الإستباقية التحريرية من التطرف الأوكراني المجاور وفي مقدمته فصائل ( أزوف)، لغرب أوكرانيا – زيلينسكي، قضية سيادية خسرت أجزاء هامة منها في شبه جزيرة ( القرم ) عام 2014، وفي إقليمي ( الدونباس ولوغانسك ) عام 2022، بسبب إخفاقها في تنفيذ إتفاقية ( مينسك 2015 )، وبسبب رفضها للحوار المباشر مع موسكو – بوتين تحت ضغوطات غربية – أمريكية – بريطانية واضحة، وفي الوقت الذي فيه القضية الروسية - سوفيتية سابقة – الطابع، بعد تشكيل مجلس الأمن الجماعي ( روسيا، بيلاروسيا، طاجكيستان، قريقيزستان ،أرمينيا، كازاخستان ) في موسكو عام 2002، نجد أن القضية الأوكرانية ، في جناحها الغربي ( كييف ) غربية – أمريكية – بريطانية الطابع، وهو الأمر الذي يدفع الأردن الرسمي لمسك عصا السياسة في موضوعهما من الوسط، كون أن السياسة إعتدال، ومصالح الأردن السياسية والأقتصادية متشعبة تغطي خارطة العالم، وهي بترولنا الحقيقي، وتميل للتوازن وعدم اللجوء إلى الصدام مع أي طرف، وفي نهاية المطاف العالم بيتنا جميعًا، وأمنه شكل شعارًا هامًا للمرحلة ولمستقبل البشرية جمعاء .
و شخصيًا أتوقع أن يزور جلالة الملك عبد الله الثاني موسكو بعد زيارته الأخيرة لواشنطن للإطلاع على مجريات الحدث الروسي – الأوكراني، وبطبيعة الحال يصعب تصور زيارة ملكية مماثلة للعاصمة ( كييف ) في المدى القريب والمتوسط نظرًا لحالة عدم الإستقرار في غرب أوكرانيا، وعلاقة جلالة الملك عبد الله الثاني بسيادة الرئيس فلاديمير بوتين شخصية دافئة، وسبق للرئيس بوتين أن زار الأردن مرتان، واهتم بمنطقة المغطس حيث تعمد السيد المسيح عليه السلام، وقدم جلالة الملك قطعة من الأرض لروسيا في الموقع بنت فوقها كنيسة، وتحول المكان مقصدًا للحج المسيحي، ومثلما هي أمريكا صديقة للأردن وتفتخر بذلك على لسان مسؤوليها، نتمنى عليها أن تفرج عن علاقة الأردنيين والعرب بالدولة الروسية الصديقة لنا، وهنا في الأردن أكثر من ( 20 ) ألفًا من خريجي المعاهد والجامعات الروسية والسوفيتية السابقة، ومجموعة من الأندية الأردنية الوطنية المحسوبة على روسيا، وعلى دول السوفييت السابقة مثل " ابن سينا "، و" جمعية الصداقة "، و" الشبيبة "، و" السيدات الروسيات "، و" الأطباء "، ومن حقهم مراسلة البلدان التي تخرجوا منها، وإرسال الطرود البريدية لها ,والسفر تجاهها على متن الخطوط الملكية الأردنية الآمنة والجميلة والمفضلة لديهم، والعلاقات الأردنية - الروسية راسخة ومتطورة منذ عهد عظيم الأردن الراحل الملك الحسين طيب الله ثراه، والزعيم السوفيتي ( نيكيتا خرتشوف ) عام 1963، وزيارات ملكية سنوية منذ عام 2001 لم تنقطع إلا في ظرف كورونا عام 2019، وتم تحويلها إلى لقاءات إفتراضية مؤقتة وقتها، وعادت لتنشط من جديد على مستوى رفيع للدولة الأردنية، وحجم تبادل تجاري وصل إلى نصف مليار دولار، وتعاون في الملفين الفلسطيني والسوري، وفي منطقة خفض التصعيد شمال الأردن وفي الجنوب السوري، وفي موضوع اللاجئين السوريين، ودعم روسي إنساني لهم ملاحظ، وبالمناسبة فإن روسيا الإتحادية تتقدم الدول العظمى ودول العالم في التمسك بالقانون الدولي، وفي مطالبة (إسرائيل) بالعودة إلى حدود الرابع من حزيران لعام 67، وبتجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية، وبالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وبترسيخ الوصاية الهاشمية، وبدراسة حق العودة والتعويض، وتقف مع الحوار في الشأن اليمني، وسبق لها أن سجلت موقفًا ثابتًا عبر الحوار السلمي في أزمة الخليج عام 2018 بعد صفقة " ترمب " المشهورة (450 ) مليار دولار مقابل شراء سلاح أمريكي ثقيل مثل طائرات F15 وشبكة من أنظمة ( ثاد) الدفاعية، ومخزون هائل من الأسلحة والعتاد لمواجهة أي غزو إيراني محتمل .
وعلاقة الأردن بغرب أوكرانيا متطورة، ولقد بدأت دبوماسيا عام 1992 في عهد الملك حسين الراحل والرئيس ليونيد كرافتشوك، وتعمل سفارتنا الأردنية في أنقرة، في تركيا على إدارة الحقيبة الدبلوماسية الأردنية في ( كييف )، وحجم تبادل تجاري وصل إلى 133 مليون دولار، وهو رقم في إرتفاع دائم، وسفارة أوكرانية ناشطة بعمان، وزيارة هي الأولى لعمان التي قام بها الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يونوكوفيج عام 2012، ولم تتاح الفرصة لجلالة الملك عبد الله الثاني لزيارة العاصمة الأوكرانية ( كييف ) حتى الساعة. والأردن في مقدمة دول العالم المطالبة بالمحافظة على سيادة أوكرانيا بعد إستقلالها عن الإتحاد السوفيتي عام 1991، لكن تفاصيل الأحداث و تطوراتها في أوكرانيا جنحت اتجاه عزل أقاليم ( القرم، والدونباس، ولوغانسك) جنوبًا وشرقًا عن السيادة الأوكرانية بعد إنضمام ( القرم ) شعبيًا ورسميًا لروسيا وإلى الأبد، وفي مياهه السوداء يرسو الأسطول الروسي النووي، وبعد إعلان إقليمي الشرق إستقلالهما عن أوكرانيا وتمسكهما بالحكم الذاتي، وهو قرار شعبي أولاً وإعتماد روسي رسمي ثانيًا .
ومن يبحث عن نهايات العملية العسكرية الروسية الخاصة الإستباقية التحريرية ( الحرب ) لشرق أوكرانيا، نجيبه هنا بأن لدى روسيا الإتحادية خطة إستراتيجية وهدف محدد مسبقًا، ولقد تمكن الجيش الروسي الأحمر من تحرير مصنع " أزوف ستال "، وإخراج 2000 متطرف أزوفي من وسط طوابقه المتعددة ، ومن تدمير أكثر من 3000 موقع عسكري غرب أوكراني وأمريكي، وتصنيف روسي لبطل الشطرنج العالمي كاسبارف ورجل الأعمال الثري خودوروفسكي المعارضين لها على أنهما عملاء أجانب، وممولان للحرب الأوكرانية، وهي، أي روسيا، لن تخرج من أوكرانيا إلا منتصرة، ولن تسمح لاحقًا لـ ( كييف ) بالتطاول على الأقاليم المحررة ( القرم، والدونباس، ولوغانسك )، ولا بإمتلاك قنبلة نووية بالتعاون مع الغرب، وكان من الممكن للحرب ( العملية ) أن تنتهي في وقت قريب لولا إعتقاد الغرب الأمريكي- البريطاني المكدس للسلاح والأموال المليارية، بأن حربهم هي مع روسيا من خلال ( كييف )، أي بالوكالة، ولن ينجح المشروع الغربي بمحاصرة روسيا وإعادتها إلى العصر السوفيتي عبر فرض حزم عديدة من العقوبات الاقتصادية، وتعتبر ( إيلفيرا نابولينا ) رئيسة البنك المركزي الروسي صانعة سياسية إستبدال الدولار واليورو بالروبل والذهب مقابل شراء المصادر الطبيعية الروسية الجاهزة للتصدير، وإخراج روسيا من منظمة حقوق الإنسان بتصويت مفتعل ومبرمج مكشوف جمع 93 دولة عالمية أثار دهشة كبيرة، بينما لم نلاحظ هكذا تصويت على ( إسرائيل - القيادة السياسية والموساد ) إثر إعدام الشهيدة الإعلامية البطلة شيرين أبو عاقلة، وبسبب مجازرها السابقة العديدة التي يصعب رصدها لكثرتها بحق الشعب الفلسطيني المناضل، والشعوب العربية عمومًا في لبنان، وفي سوريا، وفي الأردن، وفي مصر، وفي العراق، وفي غير مكان .وإتهامات أمريكية مباشرة عبر وزير خارجيتها (أنتوني بلينكين ) لروسيا لإستخدامها الغذاء سلاحًا في الحرب الأوكرانية حسب قوله في وقت لا تنام فيه ( واشنطن ) الليل وهي تخطط وتعمل من أجل إضعاف روسيا حتى عبر إقناع السويد وفنلندا بدخول حلف ( الناتو ) ونشر أسلحة غربية ثقيلة وسطهما، لكن روسيا الإتحادية الناهضة اقتصاديًا وعسكريًا ستبقى للغرب بالمرصاد وترد على الطرد الدبلوماسي بمثله، وسرقة الغرب لـ ( 300 ) مليار دولار من أرصدة روسيا لديهم لن تفلت من العقاب والملاحقة، وشريعة الغاب لن تسود، ولن تنجح.