في الذكرى الخمسين لرحيل فارس من فرسان الوطن الكبار .. عدنان الروسان
عدنان الروسان
29-08-2010 07:44 PM
حينما يموت العظام فإنهم يموتون واقفين، أو على سروج خيولهم وتبقى صور اولئك الفرسان مطبوعة في ذاكرة الناس لعقود طويلة من الزمان ، حتى لو كان الزمان رديئا والأوطان لا تكبر إلا بالكبار ولا يتعاظم شأنها الا بالعظام المتواضعين وليس بالرويبضة المتعالين ، وكم توالى الليل علينا بعد النهار وما تزال في ذاكرة الأردنيين بعض الفرسان الذين قضوا نحبهم وما بدلوا تبديلا .
أولئك الفرسان الذين يتراءون في ليل الأردنيين المدلهم كالنجوم المرصعة في السماء يهتدي بهديها حداة العيس في صحراء السياسة العربية المجدبة التي تبدلت أحوالها ، بعد أن كانت أهلا للرفادة والوفادة صارت تحمل على ظهورها الماء بينما يقتل الظمأ كل القافلة والقوافل التي تليها ، وصار الرجال مناظر لا محاضر ، وأفرغت المناصب من محتواها فبعد أن كان القائمقام له هيبة رئيس حكومة صار رئيس الحكومة بالكاد له هيبة قائمقام .
في الذكرة الخمسين لرحيل واحد من أعمدة السياسة والوطنية النظيفة ، رحيل شهيد كان من بين نخبة أردنية ساهمت في رسم معالم الوطن مع رفاق درب كانوا من وزن الوطن ، الوزن الثقيل الذي تكبر الكراسي بهم وتزدان الأوطان بهاماتهم العالية ويصبح للتاريخ نكهة خاصة حينما تزين أوراقه سيرتهم الوطنية وأدائهم الأخلاقي ، والأداء الأخلاقي هو أعظم مايزين المرء ويجعل منه زعيما و الأخلاق هي التي تجعل من الرئيس رئيسا ومن الزعيم زعيما ومن الشيخ شيخا بل ومن النبي نبيا مع فارق التشبيه والمقارنة ، قال الله للرسول صلى الله عليه وسلم " وإنك لعلى خلق عظيم " صدق الله العظيم.
كان هزاع على خلق وطني عربي ونفس قومي ، يتحرك من وحي مصلحة الوطن لا من وحي مصالح الدفع والقبض ولا من مصالح الحسابات البنكية ولا من حساب تصفية الحسابات ولا من حساب " حكي لي تحكلك " ولا من حساب أتحملني أم أحملك " ، كان هزاع رجلا يبحث عن الرجال العظام ليكونوا حوله في طاقمه يكبرون به ويكبر بهم ، ولا يبحث عن أنصاف المثقفين وأنصاف الوطنيين ليبدوا بينهم "جهبذ " زمانه ، كان يبحث عن الرجال ذوي القامات العالية والجباه المرفوعة الذين ينتمون بصدق ويخلصون بعقيدة ويحبون لا يحبون الا لله ويكرهون لا يكرهون الا له.
كان هزاع على خلق ، وكان يعلم أن الأردن هو أغلى ما نملك وأن الأردن يحتاج للرجال ليكبر ، وكان يعلم أن السفر طويل والزاد قليل ، فعمل للوطن في سبيل الله ولم يجد أبنائه وراءه على مانعلم لا حسابات في الخارج ولا أطيان في المهاجر مات قرير العين وورث ابناءه اسما وطنيا لامعا في سماء الوطن العظيم ، وبقي الأردنيون حتى اليوم يترحمون عليه ويذكرونه بالخير فارسا عاش رجلا ومات رجلا والرجال قليل.
ونحن نتذكر هزاع اليوم بعد ستين سنة من الرحيل ننظر حولنا فلا نجد الا مالا تقر بهم العيون ولا تطمئن بهم الأفئدة ، رويبضة ينتشرون هنا وهناك يبيعون الوطن بساعة نفاق ويتنقلون بين هناك وهنالك في أحضان مؤسسات المزادات السياسية العلنية والسرية ويتغير المشهد وتزداد الأمور سوءا ويزداد الظلام ظلمة وأملنا بالله كبير في أن تستخرج القيادة الهاشمية الحكيمة كنانتها من جديد فتنثرها ، فتعجم عيدانها فتأخذ من بينها أصلبها عودا وأصعبها مكسرا ، تأخذ من بينها من ترميه بالمصائب والمصاعب التي أوصلنا اليها فريق الرويبضة الجاثم على صدورنا وترميها به فيكون للأردنيين كهزاع و رفيق دربه وصفي وتتغير الصورة النمطية التي سادت على مدى زمن الرويبضة بأن الأردن صالة ترانزيت يجلس فيها مسافروا الخمسة نجوم من سماسرة السياسة وبياعي الوطن الذين يعتمدون اسلوب " اضرب واهرب " كالكثيرين الذين تعرفونهم ونعرفهم ولولا جلال الموضوع والترحم على الفقيد لسميناهم بأسمائهم .
كان زمنا غير زماننا ، زمن فيه من الرجال مايجعل الأردن تعيش حالة ديمقراطية حينما كانت الديمقراطية حالة نادرة في منطقتنا العربية ، زمن يحترم فيه الرجال بعضهم بعضا لفكرهم وخلقهم ووطنيتهم وليس للمصالح المتبادلة بينهم ولا للشركات التي يديرونها ولا للعمولات التي يتقاضونها ولا للأخويات التي ينتسبون اليها ولا للجماجم الفارغة التي تهتز صعودا وهبوطا بالموافقة على كل شيء " ككلب التابلو " لمجرد ارضاء الأخر ولو على حساب الشعب وحساب الوطن وحساب مستقبل الأجيال الأردنية .
رحم الله هزاع المجالي فقد كان رجلا من رجالات الوطن الذين نفتقدهم ولا نجدهم أيامنا هذه ولا أدري لماذا كلما تذكرن هزاع تذكرت وصفي ، ربما لأن الإثنان كانا من نفس الطينة ، الطينة الوطنية المصنعة هنا و الممتشقة القامة هنا والتي قضت في سبيل الله وهي واقفة كالخيل الأصيلة المهمة ، كنخيل المدينة المبارك كرجالات المسلمين الأطهار .
رحم الله هزاعا ...ولا نقول عظم الله أجرنا فحسب بل نقول رزقنا الله رؤساء يعيشون كهزاع ويموتون أطهارا كهزاع ...ونتذكرهم ويتذكرهم الوطن كهزاع .