في ظل الازمات التي طال تأثيرها بقاع الارض ، وبعد تراجع وتيرة تطورات وباء كورونا عالمياً والذي ما زال في علم الغيب مدى عودته وتأثيره على البشرية جمعاء في قادم السنين ، حيث أننا لم نرفع جميع القيود التي فرضتها الجائحة ، بدأت أزمة اوكرانيا تسيطر على مجريات الحياة والسياسة والاقتصاد والصحة والغذاء في العالم أجمع ، فبينما يستمر الاتحاد الروسي في عملياته العسكرية ، يحشد الغرب كل ما أوتي من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وعقوبات للضغط على الاتحاد الروسي في محاولات يمكن اعتبارها بائسة ويائسة لإنهاء الحرب لمصلحتهم وخروج اوكرانيا منتصرة من هذه الحرب .
أمد الحرب قد يطول ما دامت القوى الغربية تزود اوكرانيا بالسلاح ولا يوجد لديها الرغبة في حل النزاع بالطرق الدبلوماسية بهدف اضعاف الدب الروسي وللهيمنة الامريكية البريطانية على اصحاب القرار في كييڤ من جهة ، وما دام الاتحاد الروسي من جهة ثانية لم يحقق كافة اهدافه التي وضعها قبل الغزو على اقل تقدير ، فقد تزداد شراهة بوتين لتحقيق اهداف جديدة داخل اوكرانيا حالياً وقد تتصاعد وتيرة الاحداث وتتوسع دائرة الحرب خارج حدود اوكرانيا .
إن تداعيات هذه الحرب وتأثيرها الاقتصادي سيطال ثلثي دول العالم بطريقة مباشرة وباقي دول العالم بطرق غير مباشرة ، وذلك كون التبادل التجاري واسع النطاق وفائض الميزان التجاري الدولي يصب في مصلحة الاتحاد الروسي واوكرانيا .
يعتبر الاتحاد الروسي ثاني اكبر منتج للأسمدة في العالم واكبر مصدر لها بقيمة تتجاوز سبعة مليارات دولار سنوياً ، الامر الذي يهدد الدول الزراعية المستوردة للاسمدة الروسية مما سينعكس سلباً على كميات الانتاج الزراعي وكلفته . ناهيك عن مصادر الطاقة من الفحم الطبيعي والغاز والنفط والمعادن التي تعتبر نبض الحياة والصناعة والزراعة والتجارة وفي طليعتها حياة الدول الاوروبية .
لن نتحدث هنا عن قدرات الاتحاد الروسي النووية والاسلحة النوعية والتكنولوجيا المتطورة التي تمتلكها ودورها او وجودها المباشر أو غير المباشر في العديد من بقاع العالم فهذا أمر يدركه الجميع .
وايضا لن نتحدث عن حجم الضرر الذي لحق بالدول السياحية من انكماش او حتى من انعدام السياحة القادمة من دول الاتحاد الروسي واوكرانيا ودول أخرى نتيجة الحرب القائمة .
وفي خضم الاحداث على الساحة الاوكرانية وبعيداً عن الحرب والدمار والنزوح واللجوء ، لا بد من متابعة أبعاد الوضع القائم على وضع الامن الغذائي في الدول العربية إذ أن تراجع صادرات الاتحاد الروسي واوكرانيا من الاسمدة والحبوب والاعلاف والبذور الزيتية والزيوت النباتية والمنتجات الحيوانية ستخلق فزعاً وخوفاً شديداً في الدول المستهلكة نظراً لإعتمادها المباشر على هذه المنتجات من هذه الدول علماً ان روسيا واوكرانيا يشكلون معاً 30% من حجم تجارة القمح العالمية .
وتمتلك روسيا وأوكرانيا 80 % من زيت عباد الشمس عالميا. ويقدر نقص تصدير الزيت النباتي في البحر الأسود بـ13 إلى 14 %من الصادرات العالمية، ولا يمكن استبداله بأصول أخرى دون ارتفاع الأسعار، وهو ما حدث بالفعل من ارتفاع أسعار زيت النخيل في إندونيسيا وماليزيا.
وهنا لا يمكن القول بأن دولة ما لا تستورد حبوباً او منتجات زراعية من الاتحاد الروسي و أو اوكرانيا لن تتأثر بتداعيات الحرب الدائرة في حوض البحر الاسود ، إذ أن التأثير غير المباشر قد يضع بعض الدول في مهب الريح من خلال نقص الامدادات وارتفاع الاسعار وزيادة التهافت على الدول الأخرى المنتجة والمصدرة .
وها هي الحرب ولم يمضي على اشتعال فتيلها ثلاثة شهور ، وقد كشفت لنا عن مدى فشل اغلب الدول العربية من حماية خبزها ، وأكاد أجزم بأن الاجراءات والطروحات التي بدأت اغلب الدول العربية في اتخاذها غير جادة في تحقيق الامن الغذائي على المدى البعيد بأحسن حال ، فنحن امام واقع عصيب لا يستدعي الفزعة المؤقته والبحث عن مصادر غذاء من مصادر اخرى في أرجاء المعمورة بل يستدعي الرغبة والايمان المطلق بتحقيق هذه الاهداف من خلال إعادة تسخير كل ما نملك من طاقات ومصادر وعلوم وتكنولوجيا وبذل أقصى الجهود ووضع التشريعات وسن القوانين الناظمة والانفاق المباشر على صناعة الغذاء وزراعة المحاصيل لحماية الشعوب من خطر نقص الغذاء القادم دون محالة .