لو كان مطلوبا من كل وزير أن يتقدم كل ثلاثة أشهر في الأردن، بجردة حساب، لما فعله في وزارته خلال هذه الأشهر، لتكشف أن بعضهم لم يفعل شيئا، سوى إدارة الأعمال اليومية الروتينية.
يقال هذا الكلام ليس من باب التهجم على أحد، لكننا في هذه الحكومة، وسابقاتها، عشنا مع وزراء دخلوا وخرجوا ولم يفعلوا شيئا، بل إن هناك وزراء في هذه الحكومة يختفون تماما عن شاشات الرأي العام، فلا تعرف لماذا تم توزيرهم، وماذا يفعلون طوال هذه الشهور والأيام.
قد يرد الرسميون هنا، بأن أغلب عمل الوزراء يتصل بملفات متخصصة، وليس هناك حاجة لمعرفة ماذا يفعلون ما دامت الأمور تسير على ما يرام، وقد يخرج فريق آخر من ذات الفصيل ليقول إن عمل الوزراء جماعي، والنتائج تتضح في القرارات، وليس على مستوى أي وزير بشكل منفرد، والآراء هنا متعددة، والكل يريد أن يبرر المشهد بكل تفاصيله التي نختلف عليها تماما.
يعرف كثيرون أن من أسباب توزير الأشخاص، العلاقات الشخصية مع أي رئيس موجود، وأحيانا يخضع التوزير لتوصيات من جهات ثانية، أو على أساس قصص المحاصصة وتركيبها على الكفاءة والخبرة، وفي حالات لا تعرف أبدا لماذا جيء بفلان، ولماذا غادر علان، وعلى أي أساس.
لقد آن الأوان أن يكون عمل الوزير محددا وواضحا، وألا يتم الاكتفاء بعرض أعماله على الرئيس فقط أو مجلس الوزراء، بل إن هناك حاجة ماسة لتقييم أداء كل الوزراء، على أساس تقديم تقرير كل شهرين، أو ثلاثة أشهر، وألا يكتفي البعض بالاختباء خلف دعم الرئيس مثلا، أو يتوارى في الظلال مبتعدا عن كلفة الإضاءة عليه، أو متواريا وراء مهمات لا تتطلب تقديم جردة الحساب هذه، ولربما ما نعيشه من ترد في الإدارة العامة، سببه أن آليات التعيين في المواقع، وآليات الحساب والمحاسبة، ضعيفة، وشخصية أحيانا، ولا تخضع لأسس منطقية أبدا.
ليس أدل على ذلك من أن الوزير الذي يعمل ويخطئ، مثلا، يتنزل عليه الغضب الحكومي والشعبي، فيتم إخراجه، فيما الوزير الذي لا يعمل ويختفي ويتوارى تجنبا لرشقات الرأي العام، يدوم في موقعه فترة أطول، وهذا يعبر أيضا من جهة ثانية على المعايير الانتقائية، فالحكومات تحمي الوزراء الساكنين غير المتسببين بالضجيج، حتى لو لم يعملوا، ويرسلون الفواتير لمن وزاراتهم قابلة للمشاكل، أو الأزمات، أو تصيد الكلام على ألسن الوزراء في بعض التعبيرات.
إذا حدثت أي وزير في الأردن، سيقول لك إنه مقيد، فلا أموال، ولا مخصصات، وكل ما يمكنه فعله، هو إدارة الأمور بشكل جيد، وتلطيف الملفات التي يتولاها، وكأنه يقر أن وجوده شكلي.
لا تعرف كيف يتمكن الأردني بكل خبرته من التفوق والنجاح حين يعمل في دول عربية مستشارا أو خبيرا، فيما يفشل هنا إذا جيء به وزيرا، وعلى الأرجح أن الأردن لن يتطور ما لم تتغير آليات اختيار الوزراء، وآليات محاسبتهم، وأجندات عملهم، مع تغيير الذهنية الحكومية التي تميل إلى التسكين وعرقلة كل جديد، وكل هذا على أساس من الخبرة، لا العلاقات الشخصية، أو التنفيعات، أو العلاقات الناجمة عن محبة شخصية، أو علاقة من أيام الطفولة والمدارس.
إذا أردنا إصلاح حال هذه البلاد، فالأمر يبدأ بإصلاح الإدارة العامة، وتحديدا منذ اختيار الوزير، وبرنامجه، ومحاسبته، إضافة إلى وضوح المعيار الذي يجعل هذا الوزير يبقى في موقعه، بينما يجب أن يخرج، والمعيار الذي يؤدي إلى إخراج وزير بينما يجب أن يبقى، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويكفينا أننا طوال سنوات، نواصل التحدث عن ذات القضايا، بلا أي تغيير، من قضايا الاستثمار، مرورا بإصلاح الإدارة العامة، وصولا إلى إصلاح القطاع الصحي، وهذا يعبر عن ضعف بنيوي مرده أن لا برامج تحدد عمل الحكومات، ولا معايير محددة لكل ما نراه.
(الغد)