منحت شبكة الإنترنت مساحة إضافية هائلة من حرية التعبير لكل البشر على مختلف مواقع تواجدهم وأفكارهم ومهنهم ، وقد تجاوزت وقزمت كافة اشكال الرقابة المسبقة وجعلتها بمثابة اضحوكة في سياق إنتاج المعرفة وتوزيعها ، كما فتحت المجال لتدفق غير مسبوق للمعلومات لا يزال العالم مأخوذا به وغير قادر على معرفة الغث من السمين.
ولكن شبكة الحرية هذه تحولت في بعض الأحيان إلى مصيدة لا يستهان بها وخاصة للشخصيات العامة ، إذ أنها توثق وتكشف كل ما يقرر الشخص أن يكتبه ويقوله ويصوره ، والأدهى من ذلك أنها قد تتضمن تسجيلات صوتية ومرئية بدون علم الشخص المعني وموافقته في انتهاك صارخ لمبادئ احترام الخصوصية.
ان الكثير من الجوانب السلبية في الإنترنت ما زالت تثير الإرباك حتى في الدول المتقدمة ولا زالت التشريعات والمواثيق غير قادرة على ضبط الإساءات ، ولكن القضية التي أود مناقشتها هنا في الضبط الشخصي للمستخدمين لما يكتبونه في الشبكة.
كل ما يقوله الشخص ويكتبه على الإنترنت يبقى موثقا حتى لو كان في موقع شخصي مثل المدونة والفيس بوك وتويتر لأنه عادة ما يعاد نشره في موقع آخر وخاصة إذا كان الشخص من النشطاء في العمل العام ، والأهم من ذلك أن يكون مسؤولا مثل وزير أو رئيس وزراء حيث تزداد أعداد المهتمين بمتابعة ما يقوله. وفي هذا السياق من المهم أن يدرك المسؤول أن هنالك فارقا ما بين المساحة الشخصية المتاحة للأصدقاء والمقربين حيث يمكن له أن يكون على سجيته وراحته ، وما بين المساحة العامة حيث يقوم المسؤول بمناقشة قضايا عامة تثير اهتمام الجميع. ولهذا قد يكون من المفيد للمسؤولين الذين يخضعون دائما لمتابعة من الرأي العام الفصل ما بين المساحة الشخصية والمهنية على الإنترنت.
سجلات الأشخاص على الإنترنت تكون ايضا متاحة للعديد من المؤسسات المعنية بتقييم "سلوكهم" ولا نعني هنا فقط الأجهزة الأمنية في أية دولة بل حتى أجهزة الرقابة العائلية التي تتابع ما يعبر عنه أفراد العائلة على الإنترنت سواء كان الأب مراقبا لأبنائه أو الأخ مراقبا لأخواته أو اي صديق فضولي يراقب ما يكتبه الآخرون آملا في الابتزاز والإزعاج في بعض الأحيان. وفي إطار مشابه تقوم المؤسسات والشركات أحيانا بالبحث عبر الإنترنت عن أسماء أشخاص تقدموا بطلب وظائف لديها لتراقب وتقيم مواقفهم الاجتماعية والسياسية وكذلك الأمر بالنسبة للسفارات والتي تقوم بنفس المهمة في تقييم السجل السياسي والاجتماعي لمن يتقدمون بطلبات الحصول على الفيزا وتكون هذه المعلومات أحيانا سببا في رفض منح التأشيرات أو رفض التوظيف. أما النظرية السائدة عربيا وعالميا أحيانا حول الدور الاستخباراتي الذي يلعبه موقع فيسبوك لمصلحة المخابرات الأميركية فهي منتشرة على مستوى واسع ولكن الأسوأ من ذلك في اعتقادي الشخصي هو بيع المعلومات الشخصية لشركات التسويق والتي تزعج الناس بإعلانات الترويج عبر البريد الإلكتروني،.
زادت الإنترنت من مساحة الحرية ولكنها قلصت الخصوصية كثيرا ، وهي معادلة صعبة الإدارة وتحتاج إلى الحذر من قبل مستخدمي الإنترنت ، فالكاتب والإعلامي الذي يعتقد أنه تجاوز سلطة رئيس التحرير في كتابة رأي أو مقال في الإنترنت يخضع بعد ذلك لعدة سلطات رقابية قد تكون أشد تأثيرا ، والمسؤول الذي يكتب جملة مستعجلة على موقعه الشخصي تعبر عن رأيه في قضية معينة قد يدفع ثمنها غاليا بعد ذلك ، فلا مهرب إذا من الرقابة الذاتية ولتبق الآراء الصريحة إذا حبيسة العقول والصدور فهذا أسلم،.
batirw@yahoo.com
الدستور