لم تكن تلك الكارثة التي حلت بفلسطين، محصورة بذلك البلد، منفردا، وكثرة من العقلاء كانت تحذر على مدى عقود، من كون هذه الكارثة سوف تمتد إلى دول ثانية، إلا أن أحدا لم يصدق.
المشروع الإسرائيلي اعتبر فلسطين منذ البداية، مجرد حجر أساس، لمشروع أوسع، وعلينا أن نلاحظ أن كل جوار فلسطين، تم تدميره بوسائل مختلفة، وخصوصا، سورية، لبنان، وحتى وصولا إلى العراق، وكل حاضنة عربية تاريخية، لها إرث ممتد عبر آلاف السنين، تم تدميرها، من أجل أن ترتاح إسرائيل، وتسلم من كل جوارها، إضافة إلى محاولات شطب الداخل الفلسطيني.
يدرك الإسرائيليون أن وجودهم في المنطقة غير طبيعي، وأن الاكتفاء بفلسطين وحيدة، ليس هدفا بحد ذاته، كما يدرك هؤلاء أن الهلال الخصيب، أي بلاد الشام والعراق، أكبر خطر على إسرائيل، على المدى المتوسط والبعيد، إضافة إلى كون هذا الجوار يجذب الأطماع بسبب التاريخ، والثروات، وغير ذلك، ونلاحظ أن المشروع الإسرائيلي امتد بكل سهولة إلى كل دول جوار فلسطين، من خلال عملية التهشيم المتواصلة، واستغلال البنى الهشة في تلك الدول لتحطيمها.
لم يتدخل الإسرائيليون مباشرة في هذه الدول، بل عبر أدوات محلية وإقليمية ودولية، وتم توظيف المظالم، والبنية الضعيفة، والانقسامات الدينية والطائفية والمذهبية، والصراعات على السلطة، من أجل إضعاف هذه الكيانات الناشئة، أساسا، والمفصولة عن تشكيلات اجتماعية-سياسية اكبر، اي بلاد الشام كوحدة واحدة، او حتى العراق، والغاية كانت مع سياسات الفساد والزج في الحروب، والإغراق في الديون، تهشيم هذه الشعوب والدول، وتحويلها جميعا إلى دول كسيرة، وشعوب أسيرة، كل أمنية أفرادها الفرار بحرا عبر البحر الأبيض المتوسط من المنطقة.
التهوين الذي جرى بحق المشروع الإسرائيلي، وبشأن أخطاره على كل المنطقة، ثبت أنه تهوين مدروس لغايات محددة، او انه تهوين يسيء قراءة الأخطار الاستراتيجية، وقد يقول البعض ان إسرائيل ليست مسؤولة عن كل هذا الخراب في المنطقة، فشعوب المنطقة خربة بدون إسرائيل، فلماذا يتم تحميلها المسؤولية، والاجابة هنا سهلة، كون المشروع الإسرائيلي كبيرا، وله مخططون، وإمكانات، مع تواطؤ قوى محلية وإقليمية، بحيث يتمدد الاحتلال اليوم، إلى كل جوار فلسطين.
في ذكرى نكبة فلسطين 74 ثبت أن النكبة لم تكن فلسطينية وحسب، بل نكبة عربية بكل ما تعنيه الكلمة، لأن كلفة غرس إسرائيل في المنطقة، يتم توزيعها على الكل اليوم، في ظل العقيدة الصهيونية التي لا تتعب وهي تخطط أو تنفذ، من أجل إرهاق كل هذه المنطقة، دون أن تحتلها إسرائيل مباشرة، بل عبر سياسات محددة، يتم تنفيذها، وتمتد هذه اللعنة إلى دول تعتبر مستقرة كما الأردن ومصر، حين يتم إضعاف هذه الدول اقتصاديا، وتهديدها بكل الوسائل، وتعريضها لأخطار جمّة على المستوى الاجتماعي والأمني، في سياقات إعادة تشكيل المنطقة.
هل نعملق إسرائيل هنا، ونقدمها بصورة الدولة الأسطورة التي لا تهزم، والتي تعبث بكل مكان، وذلك بحسن نية من جانب من يكتب أو يحلل، أم أن هذا هو الواقع؟
الحقيقة التي يجب أن تقال أيضا أن لا أحد يعملق الاحتلال، لكن عوامل الضعف في المنطقة هي التي عملقت الاحتلال، هذا في الوقت الذي يعاني فيه هذا المشروع من أزمات كبرى داخل فلسطين، وليس في دول الجوار، وهذه مفارقة لافتة للانتباه، أي أن أزمة إسرائيل الأساسية، تكمن في احتلالها لفلسطين في ظل وجود كتلة فلسطينية تصل إلى سبعة ملايين شخص، لم تستطع إسرائيل تطويعهم، ولا إخراجهم، ولا هي تعرف كيف تدير المشهد معهم، وكأن المشروع الإسرائيلي ينجح في دول الجوار، ويتعثر فعليا داخل البلد الذي تم احتلاله أولا، بما يعني أن خبرة الفلسطينيين في إدارة الحياة بوجود الاحتلال، عرضت الاحتلال ذاته إلى نكسات، لم يرها في دول ثانية، بما يفرض على شعوب المنطقة أن تتذكر أيضا حصتها المؤلمة من هذا الاحتلال.
في ذكرى النكبة يعرف الإسرائيليون أن كل يوم جديد يمر تصبح مهمتهم أصعب، بعد أن استطاعوا بكل جدارة استعداء كل المنطقة، بشكل يتجاوز بشاعات أي احتلال شبيه.
الأرجح أن يبدأ هذا المشروع اليوم، عده التنازلي، بعد أن وصل إلى الذروة وفعل ما فعل.
(الغد)