شكّل اغتيال شيرين أبو عاقلة مكسباً جديداً لحركة النضال الوطني الفلسطيني، ومدماكاً قوياً في ثقافة المقاومة ومقارعة المحتل، والجاثم على صدر فلسطين لأكثر من 74 عاماً، وهو أيضاً أعاد للقضية الفلسطينية حضورها بعد الانحسار الكبير الذي شهدته عربياً وعالمياً، وهو ما يستوجب استثماره وفق مقاربة جديدة يتم بموجبها إجبار الاحتلال على الانصياع لالتزاماته وعدم تصدير أزماته الداخلية عن طريق الإطاحة بالترتيبات والاتفاقيات الثنائية.
رغم بؤس الجريمة النكراء وما ستتركه من ندبات في النفس، غير أنها بحق تعد واحدة من التحولات الهامة والمفصلية في سياسة المواجهة وبناء الذات الفلسطينية التي للأسف، يجري إخضاعها لعمليات "إعادة هيكلة" تتواءم مع متطلبات المرحلة الدولية الراهنة، تحت ضغوط اقتصادية ومعيشية.
لكن السؤال، لماذا شيرين؟ هل كنا بحاجة فعلاً كشعوب عربية وحتى رأي عالمي إلى موت بهذا الوزن حتى نستفز ونستنفر ونغضب تجاه الاحتلال الذي يمارس يومياً أبشع صور الظلم في فلسطين منذ 1948. ألم يسقط صحفيون من قبل ومواطنون عاديون ورموز سياسية مهمة تم اغتيالهم جميعاً من قبل الاحتلال داخل وخارج فلسطين، وقد طويت صفحاتهم؟ أم هي العاطفة والتأثر بالإعلام، وسرعان ما يعود كل شيء إلى ما كان عليه قبل وقوع الجريمة البشعة.
هل نحن بحاجة بين وقت وآخر إلى جريمة اغتيال جديدة حتى نستيقظ ونستفيق من سباتنا ونمارس "الشجب والاستنكار" بحق المحتل الذي لا يفهم إلا لغة القوة والثأر، والمقاومة، والتجارب دائماً تثبت ذلك والشواهد كثر، أم أن دماء شيرين وفرت لنا المناسبة التي كنا أحوج ما نكون إليها حتى نمارس النحيب والبكائيات بسبب الظلم الواقع علينا من إسرائيل.
اغتيال أبو عاقلة، ملف جنائي سياسي أولاً وأخيراً، لكن كان يبدو منذ اللحظة الأولى أن الجانب السياسي سيغلب عليه أكثر، وسيؤخذ في مسلك آخر. حتى اليوم لم يعلن أي طرف سواء إسرائيل أو الحكومة الفلسطينية عن نتائج التحقيق بالجريمة مع أن كل الدلائل تشير إلى أن من ارتكبها هي قوات الاحتلال مع سبق الإصرار والترصد غير أنها ما زالت تتنكر.
الحكومة الفلسطينية وعلى لسان وزير العدل أكدت أنه ليس هناك ضغوط بشأن قضية اغتيال شيرين، وأن التأخر في إعلان نتائج التحقيق يعود لمقتضيات التحقيق فقط، وأن الاحتلال هو من يقف وراء قتل شيرين. وبدوره الاحتلال يلمح ولا يصرح عبر مصادر إعلامية بأن جندي أطلق النار بالخطأ تجاه مكان كانت تقف فيه أبو عاقلة.
يوم آخر يمر على شهيدة الحقيقة والكلمة الحرة شيرين، وما زالت الأرض تغلي وتمور من تحت أقدام الجميع بسبب دمائها الزكية التي سالت، لتعلن ولادة تاريخ جديد في الحياة ودرساً كبيراً يسطر لجيل عاصر ابنة فلسطين المناضلة بحق، وشاهدها وهي تنقل معاناته بشكل يومي من خلال الصورة والكلمة الصادقة متحدية كل المضايقات والانتهاكات التي يمارسها الإجرام الإسرائيلي.
وحتى لا نخسر أنفسنا أمام هذه اللحظة التاريخية، وأن لا نكون شركاء في الجريمة يجب الإسراع في كشف كامل الحقيقة وتقديم البينات والدلائل التي تدين إسرائيل، إلى جانب مضاعفة الجهود الإعلامية في تعرية "الاحتلال النازي" البغيض بشكل أكبر أمام العالم مع أن العالم نفسه شريك في الجريمة من خلال صمته المطبق على ما يجري في الأراضي المحتلة.
الوفاء لشيرين يكون بمواصلة رسالتها المقدسة من خلال فضح ممارسات دولة الاحتلال، وهذا أقل ما يمكن فعله لروحها الطاهرة التي أخذت غدراً وهي تظن أن السترة الزرقاء ستحميها من بلطجة الاحتلال الذي لم يسلم منه لا البشر ولا الحجر.
سلام عليك يا شيرين ولك منا أخلص الدعاء.