منذ ان جُنت اسعار الخيار الذي ظل حتى عهد قريب صديق الاسر الجائعة ومنقذ افواها اشتاقت لطعم اللحم والدجاج , منذ ذلك الارتفاع غير المسبوق الذي تخطى حاجز الدينار , قاطعت انا العبد الفقير لله شراء تلك المادة واستغنيت عنها , واعدت الهيبة لصحن السلطة الاردني الاشهر المحتوي على البندورة والفليفلة الحرة – على ان سعر البندورة ليس اقل شرا على جيب المواطن المثقوبة – , ولكن قبل حوالي اسبوع تناسيت منطق المقاطعة هذا , حين سوّلت لي نفسي شراء " بوكسة خيار " من احدى " البكبات " المتجولة , رغم ارتفاع سعرها , قائلة لنفسي " خلي هالاولاد يوكلوا" .
كان " وجه البوكسة " يشي بجودة الخيار, ولكن حين افرّغت محتواها اكتشفت الغش الفادح , لاجد ان ما بداخلها لا يصلح حتى للاستهلاك الحيواني ..
فمن " بوكسة " تحتوي على حوالي خمسة كيلو غرامات من مادة الخيار , لم اتمكن من انتقاء اكثر من كيلوغرام واحد فقط يصلح للاكل , وعندما نويت التخلص من بقايا " البوكسة " عزت علي الدنانير التي دفعتها فداء لثمن الخيار , وعمدت الى تخزين هذه البقايا في صينية كبيرة وصمدتها " كبوكيه ورد " على طاولة المطبخ , و لا يزال هذا البوكيه الفريد من نوعه جاثما هناك حتى كتابة هذا المقال رغم تحول لون الخيار الى الاصفر , اذ لم تطاوعني نفسي التخلص منه , او رميه في الحاوية , وذلك لاني اتباهي بان لدي هذه المادة في البيت بغض النظر عن كونها صالحة او عكس ذلك , وعندما اقول امام الناس ان لدي مادة الخيار في البيت اكون صادقة ..
اقترح في زمن شح الخيار من المنازل , ولدى تبادل الزيارات الرمضانية استبدال الكنافة بالخيار , لاننا لا نحتاج " للحلو " ومعدنا خاوية من المالح و مشتقاته !!
وعلى ربات البيوت ان لا يحترن بانتقاء صنوف الفواكة الطازجة , وخاصة تلك التي توشح " بطبعة " تظهر انها مستوردة , ويتعمد مقدموها للضيف ترك تلك الطبعة حتى لو اخضعت الفواكة للتنظيف والغسيل " حتى يحملوه جميلة " , اقول على ربات البيوت تقديم " جاط من الخيار ", وسيكون له وقع جميل لدى الزوار , الذي ربما نسوا معالمه ..
ومن وحي " بوكيه الخيار " الصامد في بيتي , والذي سارويه يوميا بقليل من الماء حتى يعمر اكثر , اقترح ولدى زيارة المرضى استبدال بوكيهات الورد , ببوكيهات الخيار , لان الذي نسي طعم فمه من شدة الجوع , لن تشبعه وردات زرعت للمترفين ..
عدت بعد ان وقعت ضحية غش بائع الخيار الى منطق المقاطعة , واخذت عهدا على نفسي بان لا ابتاعه الا اذا احترم ذلك الخيار العصي على موائدنا , قلة خياراتنا المادية وسوء اوضاعنا المعيشية , وقلة حيلتنا المأساوية ..
ظننت ان بشرائي هذه البوكسة احقق اكثر من هدف , اولها تناول الخيار واضافته لمائدتي الرمضانية وهذا انجاز هذه الايام , وليس اخرها الحصول عليه بثمن ارخص على اساس انني ابتعته " بالجملة " , ولكني لم احقق لا هذا ولا ذاك ..
حتى لو كان هذا الخيار المكون الرئيسي لطبق سلطة كان يطعم اسرة برمتها حين تأكله مع قليل من اللبن الرايب والنعناع وكثير من الخبر الساخن .. وحتى لو كان آخر الخيارات المقترحة لسد الرمق , قاطعوا شراؤه , وسترون بان سعره " سيرخص " في اقل من اسبوع ..
تعلموا المقاطعة الكفيلة بتلقين كل المتلاعبين بقوت الناس , الطامعين بجيوب الفقراء دروسا مرة حين يشعرون بفداحة خسائرهم وبانقلاب سحرهم عليهم .
قبل مدة كتبت عن سيدات يعشن على ما تجود به حاويات السوق المركزي من بقايا خضار وفواكة , وتذكرت اليوم اهمية حجز دور بمحيط تلك الحاويات علنا نجد قليل من الخيار الذي ربما يكون اكثر جودة من ذلك الذي يروج له باعة متجولون يعيشون على الغش والتلاعب وفق سياسة " اضرب واهرب " حيث لا حسيب ولا رقيب .