جسر بردة .. أعجوبة رم على قمة جبل (صور)
عبدالرحيم العرجان
15-05-2022 10:10 AM
جسر بردة هو الجسر الذي يقع بين طرفي الطود العتيد والذي تشعر عند الوصول إليه بنشوة المتعة والإثارة لجمال تكوينه المذهل الفريد.
قلة من المواقع التي أصبحت تثير الدهشة فينا، ولكن جسر بردة الصخري المحتضن لطرفي الأخشب "جبل بردة" قد أصبح قبلة عشاق المغامرة الذين يفضلون المخاطرة المحدودة، وقاصدي المعرفة واستكشاف عذرية الطبيعة ومكنونات جمالها، ولهذه الغاية أعددنا برنامج زيارتنا بعيداً عن مظاهر المدنية وترفهها، وذلك للخلود بسكون مدينة وادي رم المميز بمكنوناتٍ جمالية عز نظيرها.
بعد الانتظار قليلاً لدفع رسوم دخول المحمية الطبيعية، استقبلنا صديقنا ابن المكان بسيارة دفع رباعي، حتى يصبح الطريق سهلاً علينا، فالمسير فوق الرمال الناعمة ليس بالسهل، وللعلم هذه الرمال استمدت حمرتها من أصل الجبال وما تذره الريح من بعيد، وقد تشكلت بنيتها بين سلسلة من الشوامخ كالمخاريط وأشباه السفن وأشكال يفسرها كلاً منا حسب رؤيته ومخيلته، حيث أطلق عليها العرب قديماً باسم الهشرم لكثرة نتوئاتها والنخر لصفتها، وبعد المسير ثمانية عشر كيلو متر، وصلنا المخيم تاركين فيه أمتعتنا، ولأخذ قسط من الراحة، ومنه لنستكمل جولتنا وصولاً لجبل بردة، فغايتنا هي الصعود صباح يوم الغد، والدوران حوله ليشير لنا دليلنا عن موقع الجسر الذي بالكاد يُرى من أعلى قمة الطور، وهذا قد شعرنا بالشوق ودفعنا لجعل الهمة أكبر، ويُسمي لنا كل حجر وفج باسمه المحلي المتعارف عليه من صخرة الشعرة للردة البيضاء والرديهة الحافة الجنوبية للجبل، ومنها أتمم الدوران حوله بمحاذات الحدود الاعتبارية للمحمية بعد جمع شيء من حطب الغضا لاشعاله بسهرتنا.
ومن الجبل أثرنا العودة سيراً للمخيم مستمتعين بهذا الجمال الساحر المتزامن لحركة الشمس لما بعد الزوال وكيف تتحاور أشعتها مع تموجات الرمال والكتل الصخرية وتغير ألوان الطبيعة بين كل فينة وأخرى وهو ما يميز الوادي ليكون قبلة لطالبين لحظات التأمل.
وبعد ليلة سمر وفي صباح اليوم التالي حزمنا مستلزماتنا من ماء وأدوات وطعام الإفطار لتناوله على القمة والتأكد من تقليم الأظافر لأنه سوف يكون هناك ضغط كبير على الأصابع عند التسلق خشية عليها من التكسر، لنبدأ الصعود من الجهة الشرقية لبردة، المقابلة لسد أم درج، متخللين سلسلة من الكتل الصخرية الضخمة مروراً بين الشقوق والسراديب التي تكونت بحكم ذكاء الطبيعة، وكلاً منا يمد يد العون والمساعدة لمن بعده لاجتيازها، لتبدأ بعدها مرحلة المسير على أربعة من أجل الوصول لأسطح القباب الملساء رملية التكوين، وما تركه فيها الزمان من ترسبات كوارتز وطبقات أخرى أبان البحر الأردوفيشي القديم قبل أن يجف، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أن يكون نعل الحذاء ذو فرزات تضمن الثبات ويفضل ما هو بمواصفات فيبرام.
أصبح السير على الطريق يحتاج للانتباه وتكاتف الفريق بشكل تام والتقيد بشروط السلامة والحذر عند كل مقطع واستخدام الحبال وربطها بحلقات مع أحزمة الجسم، ووجوب ارتداء خوذ الحماية والقفازات لضمان التماسك بالصخر والحبال التي يتم شبك أطرافها بالأوتاد المثبتة بالصخور مسبقاً بعد التأكد من متانتها التي يؤثر فيها التقادم والحالة الجوية وأسلوب التثبيت ومتابعة الصيانة، كون خطأ واحد قد يؤدي لكارثة حقيقية وصعوبة الإخلاء لوعورة المنطقة وهو التحذير الرسمي المكتوب على يافطة المدخل مع وجود بجانبها أرقام الطوارئ.
وبعد سلسلة من مراحل التسلق وعبور الشقوق حسب إرشادات الطريق المرسومة من الأسهم، نقشت بالصخر وحجارة مصطفة فوق بعضها البعض "قراقير" والتطبيق المحوسب أيضاً حسب نظام التموضع بتقنيات جارمن الإلكترونية وبعد عدة استراحات تأمل وصلنا لمشهد الجسر المهيب مما استوقفنا لنشاهد كيف يتربع موصولاً بين كتفي الجبل فوق فج عميق، ليتبقى لنا مرحلة واحدة لبلوغه وهى الأصعب، قمن المتوجب علينا أن نجتاز بالمسير على قاطعين بحجم القدم، من الصخر العامودي بحذر بعد ربط حبل الأمن.
قمة مذهلة بما فيها وما تفضي إليه وكيف يؤطر الجسر المشهد الشرقي متخللاً من فيه سلاسل جبلية لما بعد الحدود السعودية تبدأ بالشقيق الكبير وأم طليحة وما بينها من سهول رمالها تنعكس كالذهب من على ارتفاع 1324م، تشكلت هذه الأعجوبة الطبيعية نتيجة ذوبان المنطقة الهشة الضعيفة منه بفعل عوام الحت والتعرية من رياح وأمطار وبقاء الجسم الصخري الصلب المتحد بالتكوين مع طرفي الجبل دون فواصل، والذي يعد واحد من النوادر الطبيعية كونه على قمة جبل، ومن أعلاها حسب جمعية القوس والجسر الطبيعي الدولية، وله شقيقين ضمن حدود المحمية عند قواعد الجبال ومصاعدها الخرزة وأم فروث، والمتوجب حمايته وعدم المسير عليه حتى لا يتآكل تكوينه بفعل مرور الزوار والقاصدين باحتكاك أقدامهم بجسمه الذي أصبح بشكل ملحوظ وعدم كتابة تذكراتهم بالحفر على زعانف الجسر وقواعده فهذا يضفعه رويداً رويداً ومخالفاً للقواعد والأنظمة المتعارف عليها بهوايتنا والاكتفاء بصور تذكارية كما فعلنا.
وبعد وجبة الإفطار، وتنظيف المخلفات، وساعة التأمل للمكان الثري، سلكنا طريق عودتنا الذي كان سهل نسبياً ولكن يحتاج لحذر دون استخدام الحبال، نتبع الإشارات المرسمة باحترافية والتي ترشدنا للطريق الآمن نحو الجهة الشمالية، وفي الأفق مباشرة جبل أبو جديدة والمحرق، وأسفل منه هضبة لحماره، إلا ان هناك عدد من المقاطع تستوجب يد العون والتشبث بحذر ومتابعة تعليمات القائد بكل موضع قدم ومسكة يد، والتأكد من مدى تماسك أطراف الصخور وقدرتها على تحمل الوزن قبل الضغط عليها، وفي بعض النتوئات تم بها تثبيت حبال كالمقابض لضمان التماسك التام، لنصل لنقطة النهاية وبَرّ الأمان، ولقاء صديقنا مباركاً انجازنا والعودة بسيارته للمخيم بعد إتمام تسعة كيلو متر بسلام بفارق ارتفاع ثلاثمائة متر تقريباً،
وللعلم؛ يمكن أن يكون طريق العودة هو الصعود لمن لا يجيد مهارات التسلق ولكن بمرافقة دليل محليّ أو قائد متمرس، وكيف أن هناك الكثير من الأسرار لا تبوح بها الطبيعة إلا لمن صادقها وبحث عنها بشغف.