في ذكرى النكبة .. تعود اجراس المأساة لتدق من جديد
فيصل تايه
14-05-2022 11:46 PM
في مثل هذا الوقت من كل عام يتجدد الموعد مع مرارة الذكرى لدى أبناء الشعب الفلسطيني المكافح ، خاصة لدى من واجهوا النكبة ومعطياتها وجها لوجه ، فقد شكلت النكبة أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن العشرين نفذت بقوة السلاح والتهديد من قبل العصابات الصهيونية ، لتطبع في ذاكرة التاريخ مأساة شعب سلبت حقوقه بالكامل ، ولتبقى عالقة في الضمير ، تقرع أجراس الحزن مذكرة الفلسطينين بأن مأساتهم مستمرة في حفر أخاديد قهر عميقة ، لكن مساحة الحلم بما اعتبرناه قضية وقت للتحرير وعودة اللاجئين وانهاء الصراع تتراجع وتصغر أمام حقائق الواقع المتردي داخليا والمنهار عربيا والغير مهتم دوليا واستغلال ذلك من قوى البطش الاسرائيلي بالقتل والتنكيل اليومي المستمر .
ما زالت الأوضاع الصعبة تراكم في الواقع المرير لابناء شعب فلسطين ، لتشكل هالة من الحزن والقهر الممتد على كل مفاصل الواقع دون استثناء ، فحالة الإحباط تجذرت وتعمقت ، لتصبح هذه الحالة أمرا واقعا ، وليقفز الهمّ الفلسطيني اليوم لمنحى أكثر خطورة بعد التنكيل اليومي وتدمير ما تم انجازه وطنيا طوال عمر النكبة وما قدمه شعب فلسطين من تضحيات دفاعا عن قضيته الوطنية ، والتي ربما لم تعد تعني شيئا أمام عدالة القضية وحق الشعوب بالتحرر والعيش بسلام .
قوى التنكيل الاسرائيلي قتلت حالة السلام واحبطت الأمل بحل عادل ، بل واوصلت القضية لمرحلة ما بعد العبث ، وسواء استمرت اي مفاوضات أو توقفت فلن تعني شيئا لاحد ، وربما لمن يراد لهم أن يشاركوا فيها مستقبلا بنفس الاحساس العبثي والقهري الممل ، ورغم أن هذا هو الخيار الوحيد القادر على تقديم ما يسمى (الحل) في ظل الظروف الحالية المفروضة ، فإن أمال تحقيقه تنعدم لدى الجميع أمام حقائق الواقع الحالي المتردي .
ان الشعب الفلسطيني المكافح ما زال يعيش التفاصيل اليومية المؤلمة ، حيث أكثر ما يثير الحنق في سلوك إسرائيل الوحشي هو تصميمها على إلباس أفعالها رداء الإدعاءات الباطلة ، والإصرار على اذلال هذا الشعب المناضل والتنكيل به ، وما جريمة اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة قبيل ذكرى النكبة الا جريمة بشعة متكاملة الأركان ، وبقوة الوقائع المصوّرة ، وما لحقها من اعتداء جنود الاحتلال على المشاركين في جنازة الشهيدة أبو عاقلة ، ذلك دليل قطعي على إفلاس واضح لسياسة اسرائيل القمعية ، وهو إمعان في إكمال جريمة الإغتيال، وإصرار على منطق القمع الذي يحكم كل مؤسساتاتها ، وتعبير عن حجم السادية التي تحكم سلوكها ، بل وانتهاك صارخ للقوانين الدولية ، التي ديست بالأقدام الغليظة لمنع إجلاء الحقيقة دون أن ترتقي الإدانات المتواترة إلى مستوى بشاعة الجريمة .
أمام كل هذا الهوان اليومي وهذا الصلف والتعنت المستمر ، تبقى القضية الفلسطينية في تراجع واضح ، مع انعدام التوزان وضياع البوصلة في الجوار العربي ، فالاردن يتعرض لمحاولات لتجاوز دوره التاريخي في القضية الفلسطينية ، من خلال ما يحاك به لاخراجه من دوره المحوري من الوصاية الهاشمية على المقدسات ، والهم القومي المتداخل مع الهم الوطني والتحديات الاقتصادية ، كل ذلك يشكل حالة لم يشهدها الاردن منذ قيامة ، لكن موقف الأردن رسميًا وشعبيًا ثابت لا تتغير بوصلته ، فالقضية الفلسطينية بالنسبة للاردن هي قضية مصير بحلولها النهائية ، فكل ذلك يسيطر باستمرار على تفكير القيادة الهاشمية ، بينما ينشغل البعض من العرب بالتفنن في أساليب التطبيع .
هذا اليوم ، تعود اجراس النكبة لتدق مجددا بتاكيد استلاب القدس ، ولتمتد المأساة وتتعمق في مدن الضفة الغربية ، وأمام كل هذا ، هل سيمتلك العقل العربي عامة والفلسطيني خاصة معجزة إخراج الوضع بما يعيد ترتيب الأوراق وصياغة أفق جديد بعيدا عن نمطية الواقع المتردي والعبثية المفروضة التي أصبحت تتردد في كل لحظة لتخلق أزمة من باب الاحساس بالفشل والعجز وليس من باب قوة المنطق ورجاحة الموقف .
ولنقف امام سؤال يطرح نفسه ، أين نسير ؟ نحو بوادر خروج من تكالب العالم على شعب اعزل أم غرق أكثر في تفاصيل الفشل لتعود الاجراس المأساة لتدق من جديد ؟
والله المستعان