توصيات الاستراتيجية الوطنية بخصوص السنة التحضيرية والموازي
د. منصور المطارنة
14-05-2022 11:01 PM
لقد تمّ تشكيل لجنة وطنية لتنمية الموارد البشرية في رسالة وجهها جلالة الملك الى دولة الدكتور عبد الله النسور بتاريخ 24/3/2015 برئاسة معالي الدكتور وجيه عويس، وعضويّة أكاديميين أكفياء ومتخصّصين، حيث كان مناط بها حسب ما ورد برسالة سيد البلاد: "إعداد استراتيجية وطنية ينبثق عنها خطة تنفيذية للأعوام العشرة القادمة تعنى بتطوير قطاعات التعليم الأساسي والتعليم العالي والتعليم التقني والتدريب المهني تحقيقا لنقلة نوعية في قطاع التنمية البشرية، وتحديد مجموعة من السياسات الإصلاحية، التي من شأنها أن تدعم عملية التحديث والتطوير." حيث عملت اللجنة من خلال لجان فرعية وصلت الى 17 لجنة، وكل لجنة مكونة من مجموعة من الخبراء على مستوى الوطن.
هذه الاستراتيجية والجهد الوطني المميّز برئاسة الدكتور عويس كانت شاملة وغطّت مرحلة الطفولة المبكرة، والتعليم الالزامي، والتعليم الأساسي والثانوي، والتعليم والتدريب المهني، والتعليم العالي. وأعتقد انّ هذه الاستراتيجية ليست بمنأى عن تنمية الموارد البشريّة في القطاع العام وخطط رعاية الشباب. لكن ما زال موضوع السنة التحضيرية والبرنامج الموازي وسياسة القبول الجامعي يلقى اهتمام كبير من المعنيين بشأن التعليم العام والعالي. ولقد كتبت مقالا سابقا بجريدة الغد (بتاريخ 27/4/2022) حول سياسة القبول الجامعي ولجنة تطوير التوجيهي. لذا سأركزّ الحديث بهذا المقال توصيات الاستراتيجية الوطنية بخصوص السنة التحضيرية والبرنامج الموازي.
من أهم مخرجات وتوصيات الخطة الاستراتيجيّة:
أن يتم توفير فرص قبول عادل مبني على أسس تتمتع بالمساواة لكافة الطلبة المؤهلين بناء على الجدارة والقد ارت. وأيضا نظام قبول موحّد للقبول الجامعي على أن يتم الإلغاء التدريجي للبرنامج الموازي، والأهم هو أيضا تنظيم استثناءات القبول. وأن يتم مراجعة متطلبات وأنظمة بعض التخصصات المعينة لتشتمل سنة تحضيرية بداية لتخصصي الطب وطب الاسنان، بدءا من العام 2018 لتندرج لاحقا على باقي التخصصات. ومن المخرجات والتوصيات أن يتم إنشاء هياكل تنظيميّة تتضمن الاستقلالية والصلاحيات، وآليات المساءلة اللازم من خلال مجلس تنمية الموارد البشرية بهدف تنفيذ استراتيجية تنمية الموارد البشريّة. وأيضا زيادة الدعم المالي للطلبة لتمكينهم من مواجهة عبء الرسوم الدراسية، وتغيير سياسة القبول بخصوص السنة التحضيرية، وهيكلة الرسوم الجامعية مع وجود تحفظات كبيرة على ذلك، ودعم وإنشاء صندوق لمساعدة الطلبة المحتاجين.
البرنامج الموازي:
بداية لابدّ أن نذكر بأنّ التعليم الموازي هو بالأصل مخالف للدستور وغير عادل، حيث يقبل أكثر من %50من الطلبة على أسس غير تنافسية، وتتمثّل بقبول الاستثناءات والبرنامج الموازي. لقد تمّ إقرار قبول الموازي بقرار حكومي في عام ١٩٩٦، وتمّ تطبيقه اولا في جامعة العلوم والتكنولوجيا للحصول على اموال إضافيّة وملاءة ماليّة لتسيير عملها. غالبية طلبة الموازي ينحصروا بتخصصات الطب وطب الاسنان والصيدلة والهندسة، حيث كانت نسبة طلبة الطب وطب الاسنان تقريبا ٦٠% من طلبة الموازي. برنامج الموازي يقدّم أكثر من 200 مليون دينار للجامعات في كل سنة. وأهم الجوانب السلبيّة والخلل بوجود الموازي هو توسّع وزيادة عدد الطلبة المقبولين لتعويض العجز المالي الذي تعاني منه الجامعات، وايضا إنشاء برامج جديدة بأسعار مرتفعة والتي احيانا للأسف تكون خططها مشابهة لبرامج موجودة لكن فقط هو تغيير مسميّات البرامج بدون تغير جذري، كل هذا ينعكس سلبا وبشكل كبير على مخرجات التعليم.
اوصت الخطّة على إلغاء البرنامج الموازي تدريجياً خلال مدة ثمان سنوات اعتبارا من العام الجامعي 2018/2017 ليتم إلغاءه كلياً بحلول 2025 من خلال تخفيض طلبة الموازي بمعدّل 550 طالبا. وأشارت الخطة بأنّ هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي ستكون مسؤولة عن ضمان خفض اعداد المقبولين ضمن برنامج الموازي. ولقد تمّ تقدير النقص في دخل الجامعات 17 مليونا في السنة الأولى، والذي سوف يزداد سنويّا حتى السنة الثامنة، ليصل الى 136مليونا سنويّا، وهو المبلغ الذي يجب تعويضه وتوفيره من قبل الحكومة وقبل الحديث عن إلغائه.
لكن للأسف لم يتم إلغاء البرنامج الموازي وذلك لصعوبة التطبيق وتعويض بديل لهذا الفاقد المالي للجامعات، وكانت هنالك حلول ممكنة، وهو ما اتفق عليه سابقا بأن يتم اقتطاع مبلغ من ايرادات مشتقات البترول ضمن جدول زمني تقوم الحكومة بدعم الجامعات بمبلغ سنوي على مدار عدة سنوات بسبب تخلي الحكومة عن دعم الجامعات. أمّا البديل الثاني الذي تمّ طرحه هو إعادة هيكلة الرسوم الجامعية بحيث يتم تخفيض رسوم الموازي وزيادة رسوم التخصصات الأخرى خلال فترة زمنيّة محدّدة، حيث يتم توحيدها تدريجياً وفق خطة مدروسة تراعي الطلبة بحيث تقترب من التكلفة الفعلية، وأيضا ان يتم تفعيل صندوق الطلبة ودعمه لتقديم المنح والقروض لجميع الطلبة المحتاجين والمتميزين دراسياً.
السنة التحضيرية:
أعتقد بأنّ السنة التحضيرية التي طبقّت قبل عدة سنوات لم تنسجم مع الاستراتيجية الوطنية للموارد البشرية. وأكير خطأ ارتكبته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سابقا بأن تمّ تطبيقه على جامعتين فقط، مع العلم أنه هنالك اربع جامعات اخرى فيها كليات للطب، حيث تم ّسابقا اعتماد القبول على ما نسبته ١٠% لمعدل التوجيهي،٣٠% لمعدل الجامعة، ٦٠% لعلامة امتحان قبول كلية الطب بما يسمى MCAT (The Medical College Admission Test)، وهو امتحان عالمي معتمد بكندا وامريكا بالدرجة الأولى. طبعا هنالك بعض المآخذ على السنة التحضيريّة في حالة إخفاق طالب ورسوبه وفقده لمقعد الدراسة، وأيضا هنالك تباين بمستويات الطلبة من حيث قدرة الطلبة باللغة الإنجليزية، وبعد اجتماعي وتغيير بيئة الدراسة والاختلاط وهو ما يعانيه بالدرجة الاولى طلبة المحافظات والقرى وهناك عوامل اخرى كثيرة لابدّ من دراستها وتشخيصها. والأمر المهم والذي أرغب بتسليط الضوء عليه هو ماذا عملنا للطلبة الراسبين في التوجيهي والمنقطعين عن الدراسة، حيث يترك الغالبيّة من الطلاب للأسف بدون خيارات بديلة مرغوبة أو دعم للراسبين منهم.
قطاع التعليم العام والعالي حقّق العديد من الإنجازات والتقدم في مراحل مختلفة، إلّا أننا نلمس ونشهد منذ مدة تراجعا في جودة ومخرجات التعليم الجامعي من عدة جوانب؛ لم تطبّق توصيات الاستراتيجيات والخطط المختلفة خلال مراحل الإصلاح والتطوير، وما زالت التشريعات والتعليمات والأنظمة غير مؤسّسية وغير مستقرّة، وما زال الدعم المالي للجامعات متدني جدا ولا يلبي الملاءة المالية وتغطية الاحتياجات، والتحدي الأكبر هو اتساع فجوة المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
اخيرا، كلنا أمل كبير بمعالي الدكتور وجيه عويس الذي ترأس هذه اللجنة وبرؤاه الاستشرافية وتشخيصه الدقيق لمكامن الخلل والمشاكل التي تعتري نظامنا التعليمي، لذا نأمل من تحقيق نقلة نوعيّة برؤى وطنية شاملة وعابرة للحكومات لتطوير قطاعات التعليم كافّة، حتى تدعم عملية التحديث والتطوير لنمضي في مسيرة البناء عنوانها التميّز والريادة والإنجاز والإبداع والابتكار، ولتحقيق رؤى جلالة الملك المعزّز عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه.
* الجامعة الاردنية