شيرين روح عظيمة تصعد في سماء فلسطين
علي السنيد
12-05-2022 03:21 PM
لا الحزن يكفي يا شيرين ولا مرارة الفقد ، فأنت صفحة باقية في تاريخ فلسطين ، وجسدك المسجى كهرم ماثل في الكبرياء سيضاف الى رصيد الشعب الذي ادمن الحزن والشهادة.
وان أشلاء الاحبة، وقبورهم، وشتاتهم، وبرودة المنافي، والمخيمات… الاسرى، والمعتقلات ، وقع اقدامهم على بوابات الحزن منذ نحو قرن، والرحيل الذي ادمن صحبتهم منذ ان فتكت بنا انياب الأجنبي والدخيل… وشلال الدم الطاهر، والارواح التي ارتقت في سماء الوطن الفلسطيني في تظاهرة عشق على شرف الوطن، ومطلب التحرر الوطني كل ذلك هو بوصلة الزمن العربي القادم.
وستظل صورهم تحتل الذاكرة، وتدمع عين الزمان، وتنفطر لها المشاعر، وتطيح بالأدمية، وتهوي بالإنسانية من فضاء عرشها السامي الى حيث يمارس العالم المزيف وحشيته، وشروره المطلقة بلا وازع من ضمير، وهو الحليف الاكبر للصهيونية والاستعمار والاستبداد، والعدو الأكبر للعرب، وحقهم العادل في الحياة بكرامة فوق ترابهم الوطني.
في مكان مقدس قريب الى القلب حيث فلسطين - وديعة التاريخ - الرابضة في الوجدان العربي تتجلى في صور تظل تحتل الذاكرة، وتبقى تحاصر القلب، ولا تنأى بنفسها عن قصة الشعب الذي نصبته الجراح منذ نحو قرن معلماً في الحزن، وهو الذي لا يكاد يبرح عيون العرب.
وتقلقنا النكبات يا مسرى الرسول، ويا القبلة الاولى ، ويوجع ضمائرنا الصمت، وقلة الحيلة، وتنتحب انسانيتنا ، وفي دواخلنا تهيم مشاعرنا المقتولة، وقد اغتيل اعز ابنائنا وقادتنا الابرار وغادروا الدنيا دامية جراحهم ، وهم يطلبون عدالة الاخرة، ولم يغادرنا الوجع ، وسنبقى مطاردين بالألم على اثرهم.
وها هي الأيام لا تبرح تردد قصة الشعب الشهيد ذلك الشعب المنذور من اجل وطنه، وهو يحيا في كبرياءه الوطني، وانى لنا بطائف من النسيان، وان نرمي ذاكرتنا ، وننسى وجع عروبتنا، واسلامنا يا فلسطين....
كيف وقد جاءت الخطيبة الى موعد مع خطيبها في ثلاجة الموتى، والتقطت كاميرا الزمان صورة نادرة للقاء حبيبين في ثلاجة الموتى، وهو الموعد الاخير الذي ضربه الموت منذ سنين في غزة.
وذلك الطفل الذي كان يسترق النظر الى جثمان اخيه المسجى خلسة من خلف ظهور المصلين الساجدين، وكأنه يستجدي الموت بنظرة أخيرة.
والاب الذي راح يري العالم الغادر وجه طفله بعد ان سحبه من تحت الانقاض، وقد رأينا في وجهه الدامي الصغير وجوه اطفالنا جميعا، وعرفنا طعم الطفولة المقتولة.
كانت فلسطين طفلا منتحبا جلس قبالة وجه ابيه الشهيد لتبلل دموعه وجه العالم، ويشهد الله على ما في حزنه، وليرمي بوجوهنا اخوتنا المزعومة، وفي لحظة مأساوية يضطرب فيها قلبه الصغير راح يسأل عن امته....
وطفلة بحجم دمعة فقدت عائلتها بعد العدوان الغاشم ، وراحت تنتحب على رمال غزة، وكانت تختصر قضية الشعب المتناثر في اصقاع الارض، والذي يبحث عن وطنه المسروق كي يعيش بسلام.
وها هي شيرين أبو عاقلة تقدم الفصل الأخير من حياتها موشحة بالدم، والطهر وممددة على الأرض المباركة الى الابد، وستظل الدنيا تعزف لحن موتها في موعد جنائزي تردده فصول الدنيا الأربعة.
وحيث صار الكون حالة يتم ونحيب، وشيرين روح عظيمة ترتقي في سماء فلسطين.
هي لقطة تنوء بها الايام ، وقد رسمتها يد الصهاينة بدقة كي تؤرخ للذل العربي.
ولقد صفعتنا الاحداث مجددا اذ اظهرت لنا حقيقتنا كأمة ضالعة في الهوان، وقابلة للذبح والاستعباد، وان قبور الشهداء قدر ماثل امامنا .
فيا ايها الفلسطيني الذي يدق ابواب الزمان ينشد الحرية، وتحقيق احلامه الوطنية ، واحتضان ترابه الوطني.
الى اين تطلق صرختك، وهل ظل في الدنيا عدالة… ايهذا الفلسطيني الذي ما وسعتك الحياة ، وراحت تتقاذفك الاهوال، وانت تبحث عن وطن وهوية .. تعيش على ذكرى عودتك، وما اتسعت لك الدنيا بعد فلسطين، فاحتضنك الموت بخشوع .
فلله درك يا فلسطين ... فلقد علمتنا ان الشهادة اخت فلسطين، وان الحزن يكاد ان يكون اخو العرب، وان البشرية تنكر قلبها عندما تحضر قضيتنا..وان صورهم، واشلائهم رصيد للأيام القادمة، وهي حاضرة في فضاء المكان العربي، وان اجيالا عربية ستعيش من اجل ان تنتقم.