هل من حبٍّ أعظم من أن يفدي الانسان أرضه بدمهِ ! و أيٌّ سماءٍ هذه و أيُّ أرضٍ تلك التي التحفتْ به شهيدة الحقيقة ...
لن أتكلّم عن شيرين فمن المُعيب التحدّث عنها , فهل تحتاج الشمس لضوء يُسلّط عليها ؟.
لكن سوف أتحدث هنا عن من قتلوا شيرين بعد الشهادة, من قتلوها بتخلّفهم و سوادهم.
أولئك الذين يناصرون فلسطين من بيوتهم , أو حتى من المُحتمل أنّهم لا يناصروا القضية , ربما فلسطين كلّها لا تعنيهم , ما يعنيهم فقط هو الارهاب الفكري, يعنيهم نشر الكره و السواد , أولئك الذين لا يزالوا يعيشون في العصور الوسطى , عصور صكوك الغفران و الذبح و الثيران , لا زالوا بيننا , ينعقون عند أول اختلاف فكر و رأي ضاربين بعرض الحائط مطالب هم يطلبوها من دول و كيانات , فأي ازدواجية معايير تلك عندما يريد المُختل أن يُحتَرَمْ و هو لا يَحتَرِمْ...
كيف لعقل بشري و قلب آدمي أن يتجرّد في أصعب المشاهد من انسانيته و ينسحب من هول المشهد و رماد القهر و يهرول نحو التحليل و التحريم , ألم يسمع عن استفساء القلب , و سؤال العقل ؟ هل هكذا تنصر الدين بضرب عقائد الناس و هم في أصعب أوقاتهم ,ظانّا بأن الرب السماء يرضى بالكره مبدأً ؟.
تخافون يا بعض من الجهلة , يا حفنة صغيرة من الرماد في بحر من الوئام , من كلمة شهيدة ! ماذا فعلتم أنتم لفلسطين سوى بعض التعليقات و الصور الفيسبوكية , أنزلتم للميدان و الروح على الاكفان ,احتميتم بالبنيان من وابل الرصاص , أنقلتم الصبيان و الدم يسيل كالأنهار , اصمتوا صمتاً أبدياً , صمتاً تتحرّر به البلاد و نفوس العباد من اختلال عقولكم , اصمتوا و انردموا كما انردمت عصور الظلام , دعونا نعيش كما نريد و كما المحبة تريد ...
شيرين اليوم لم يُبكى عليها لدينها , ولا للونها , و لا لكونها أنثى تُذبح أمام الكاميرا , شيرين اليوم هي عزاء العالم أجمع , و من منّا لم يُقلّدها أمام المرآة :
شيرين أبو عاقلة , الجزيرة , رام الله
يا لذكريات الطفولة و لتوطين القضية في عروقنا , اليوم الصدمة صدمتان و الرصاصة رصاصتان , أولى من محتلٍّ غاصب قاتل , و ثانية من مختلّ تجرّد من المنطق و العقل و الفطرة البشرية , نحن بحاجة لثورة فكرية , لانقلاب ثقافي يتبارز به أصحاب العقول , من المستحيل أن نقاوم الغاصب بالتفرقة , ذلك الذي يستبيح المسجد و الكنيسة معاً , كيف سنحاربه إن تحاربنا فيما بيننا , إن اعدمنا احترام الآخر من قواميسنا , شيرين اليوم و تريز هلسة البارحة و غيرهم كُثر, جميعهم شُيّعوا بالبخور و التكبير , جميعهم تلحّفوا بالآيات و المزامير , فالأرض تحتاج لنا جميعاً و لن تعود إلّا بنا جميعاً , فبالقرآن و الصُلبان سوف تتحرّر أرض لعربيّ كان....
للشهيدة الانسانة شيرين أبو عاقلة جنان السماء , و ليكن ذكرها مؤبداً عند ربّها حيّة تُرزق , حيث لا وجع و لا ألم و لا صكوك للجنّات .