أصحاب ولا أعز .. عقدة الأجنبي
زينة المعاني
11-05-2022 06:42 PM
لم يكن من المبالغة القول بأن فيلم "سهر الليالي" كان الشغل الشاغل لمتابعي السينما العربية في فترةٍ من الفترات. ويمكن كذلك القول بأن هذا الفيلم سبق عصره بخوضه في تفاصيل العلاقات الزوجية بين مجموعة من الأصدقاء، بل وإنه نجح في سرد مشاهد عبقرية في أكثر المسائل خصوصية في الزواج النمطي "التقليدي" والمفارقات ما بين العلاقات خارج إطار الزواج والعلاقات الشرعية. تظهر السردية ما بين الزوجة الصابرة على زوجٍ دنجواني الطباع، وزوجٍ لم يتصالح مع ماضي زوجته، وآخر يمثل النمط الكلاسيكي الذي لا يستجيب لخيال جامحٍ لامرأته، وأخيرٍ يتأمل رداءة ظروف من حوله من المتزوجين، فيتشبّث بالعزوبية ويتأرجح ما بين القبول بفكرة الزواج بحسناتها ومساوئها، وما بين حياة الحرية. حكاية عن نساء تجمعهن صداقة، وتفرّقهنّ أصناف شتّى من عدم الأمان؛ الخوف من الخيانة، الرغبة في التحكم، ربط الشعور بالأمان بحتمية وجود شريك، والرغبة في شريك بمواصفات تحاكي حبيب كاسندرا المتيّم صاحب النظرات الجارفة.
تفاصيل مدهشة تترك المشاهد في حالة من الصدمة والسؤال الحائر: ذاك أنا! أقسم بالله أنا! وتلك أنتِ وهذا ابن عمي وتلك جارتنا. إنهم نحن، وهنا يكمن سرّ نجاح هذا الفيلم الذي شكّل الفارقة؛ لقد شابهنا كما نشبه ما نرى في مرآتنا.
ومن هذا الفيلم الذي يشبهنا حدّ الدهشة، يأبى المنتج إلا وأن يطرح فيلماً –معرّباً- آخر فيما يسمى "أصدقاء ولا أعز" الذي لا يشبهنا. أنا لا أقصد هنا أن مشاكله لا تشبهنا، لكن تفاصيله بعيدة جداً عنا؛ من الغنى الفاحش، إلى تقبل الزوج صداقات زوجته مع ما يسمى "بالإكس" إلى اكتشاف الزوج لمحادثات جنسية ما بين زوجته ورجلٍ آخر، وتقبله الاعتذار غير المنطوق بكل صدرٍ رحب، وحتى الطعام، فمنذ متى تؤكل الملوخية مع النبيذ؟؟؟
شتان ما بين دور منى زكي في سهر الليالي، وما بين دورها في "أصدقاء ولا أعز" وشتان ما بين الأدائين. وأتساءل هنا عن الدافع وراء اتخاذ خطوة الى الوراء... إنها عقدة الأجنبي التي جعلتنا نؤمن ومنذ الصغر بأن الطرح أجنبي متفوق، وآمنا بأن نسختنا المؤجنبة ستكون أكثر جمالاً وأكثر جاذبية، لأنها وببساطة نسخة أجنبية. كلنا يفكر بأنه إن هاجر سيكون أجمل، وأكثر سعادة وأزهى وأكثر رونقاً، رغم انها نظرية كغيرها، تحتمل الخطأ أو الصواب بحسب الحالة والمعطيات.
تضيع الهوية الحقيقية أحياناً ونحن نحاول البحث عنها، وهي في داخلنا ولا تحتاج إلى البحث عنها في الخارج. نسختنا العربية بمساوئها هي كينونتنا، شئنا أن أبينا، وما نحن عليه الآن هو خلاصة قرار الطبيعة ومسارها. كلما حاربنا الطبيعة، انقلبت علينا، وهكذا انقلب فيلم "أصحاب ولا أعز" على نفسه، لأن النسخة الطبيعية في فيلم "سهر الليالي" تمثل الحقيقة غير المعرّبة؛ إنها الحقيقة الأصيلة التي نأبى أن ننصرها على "عقدة الأجنبي".