رأيتُ حزني يسير جذلا في الشارع، غريب، أنا أستخدم كلمة "جذلا"!
حرصتُ ألا يراني، فأنا لأ أريد أن أنغّص عليه تنفّسه، هذا ما يطلقونه على الوقت المستقطع الذي يمنحونه للسجناء: تنفّس..
رجعتُ إلى البيت بانتظار أن يعود من تلقاء نفسه؛ كان يمكن أن أذهب أنا الآخر إلى أيّ مكان معتاد، أو أن أهيم في الطرقات لا ألوي على شيء كما فعلت مرارا فيما مضى، ولكنني لم أفعل ذلك..
عدتُ وانتظرتُ عودته بكل صبر وأدب..
بعد منتصف الليل عاد، توقّف أمام الباب قليلا، تجّهم كما ينبغي، ثم فتح الباب ودخل..
تظاهرتُ بالنوم، فأنا لا أريد أن أسبب ارتباكا لكلينا..
"الصباح رباح"، قلتُ لنفسي، ففي الغد دائما متسع لحزن جديد.
في الصباح كان قد سبقني في الاستيقاظ، وإعداد قهوة رديئة لكلينا نشربها من قبيل العادة..
جلستُ، وشربنا قهوتنا بصمت..
للحظة ظنّنته سيمازحني ويقول لي: "لماذا لم تقل احتسينا"، ولكن طبيعة عمله تمنعه من المزاح.
للإنصاف، هو حزن محترف ويلتّزم بشرف المهنة.
هل هناك ميثاق شرف للحزن؟ أحيانا يسمّونها مدونة سلوك وظيفي.. لا أعرف، فأنا لم أحضر "ورشة عمل" تموّلها جهة مانحة حول هذا الموضوع؛ يبدو أنّ الحزن ليس على أجندة الأولويات..
المهم أن يصبح الجميع رياديين، أمّا الحزن فهو يسيء إلى سمعة البلد، تماما كأن ينتحر وغد في مكان عام!