الأصل في العلاقات بين الدول، أنها علاقات مؤسسية تبنى وفقا للمصالح الوطنية بتفاصيلها السياسية والإقتصادية وحتى الإجتماعية , فهل العلاقات بين الأقطار العربية تستند على هكذا قاعدة!.
واقع الحال ومنذ القدم , يقول بغير ذلك , فهي علاقات تطغى عليها الشخصنة بصورة جلية ,والدليل مثلا , أن مجرد مقال لصحفي مغمور " وما أكثرهم في هذا الزمن ", أو حتى مجرد تغريدة لنفر ما, يمكن أن يفسد العلاقات لا بل وقد يؤزمها بين قطرين عربيين, يفترض أنهما شقيقان كما نردد دائما.
من سوء حظ العرب , ومعهم الكثير من دول الشرق وشعوبها, أن هذا هو الواقع السائد ,فمواطن من قطر ما, يمكن أن يفجر العلاقات مع قطر آخر ,إن هو أبدى رأيا يتعارض مع سياسات أو مواقف ذلك القطر الآخر , عندما يحسب رأيه هذا, كما لو كان رأي وطنه كله دولة وحكومة وشعبا , إن لم تتم معاقبته امتصاصا لغضب ذلك القطر الآخر !.
ربما كان هذا الواقع مقبولا على نحو ما في زمن غابر مضى , لكنه اليوم لا يتواءم إطلاقا لا مع المصالح الوطنية لكل قطر على حده , ولا مع المصالح القومية للأمة بمجموعها , لا بل هو أمر مستهجن جدا في نظر العالم المتحضر الذي تقوم العلاقات البينية بين أقطاره , على قواعد مؤسسية لا يمكن أن تتأثر بالمواقف الشخصية لمواطن أو ناشط أو كاتب صحفي هنا أو هناك .
بصراحة , ما دام واقع علاقاتنا العربية على هذا النحو , فالأمر لا يبشر بمستقبل عربي أفضل , ولا بد لحكومات هذه الأمة من أن تدرك أن الزمن يتغير بتسارع , وأن العلاقات بين الأوطان, لا بد , نعم لا بد, وأن تكون علاقات مؤسسية راسخة تحاكي مصالح هذه الأوطان وشعوبها ومستقبل أجيالها .
العلاقات الشخصية تكون بين أفراد لا بين دول وحكومات , ولذلك سميت علاقات شخصية تتأثر سلبا وإيجابا بمواقف الأفراد من بعضهم البعض , أما الدول والأوطان , فالأمر مختلف بالكلية , ولنا في دول الغرب المتقدمة في التطور والإنجاز مثال حي .
ملحوظة : في السياق , لنا أن نلاحظ مثلا دهاء الإعلام السياسي الغربي في التعامل مع مجريات الحرب الروسية الأوكرانية ,وهو إعلام ينجر وراءه كل إعلام دول العالم الثالث بطيبة ولن أقول غير ذلك ,فالإعلام الغربي يتجنب كثيرا الإشارة إلى روسيا بالاسم, ويستخدم بدلا من ذلك إسم الرئيس " بوتين " لتبدو الأمور في ذهنية المتلقي , كما لو كانت الحرب بين بوتين وأوكرنيا, ولا علاقة للشعب الروسي بها!.
هذا يندرج في إطار فهمهم للعقلية الشرقية عموما, والتي تهيمن فيها الشخصنة على المؤسسية , ويرون فيها خدمة لسياساتهم هم وحدهم دون سائر الشعوب. الله من أمام قصدي .