تتداخل مفاهيم الواقعية بالتشدد فلا يستطيع المرء التفريق بين المفهومين خصوصا عندما يطلق «العقلاء» توقعات متطرفة في الايجابية في وقت يطلق فيه غلاة التطرف توقعات تتصف بـ»العقلانية».
وزير خارجية اسرائيل أفيجدور ليبرمان صرح امس الاربعاء بأن «اسرائيل والفلسطينيين ليس أمامهم فرصة فعلية للتوصل الى اتفاق سلام خلال فترة العام التي حددتها الولايات المتحدة» وهذا التوصيف واقعي لولا انه صدر من الطرف المحتل وهي مفارقة.
ماذا لو حجبنا اسماء الساسة من الجانبين وقرأنا التصريحات التي تطلق في هذه الايام ، ماذا سنرى؟
قطعا فاننا سنتوه بين من هو المتشدد ومن هو الواقعي ، باعتبار ان المتشدد هو من يفرض رؤيته ورغباته على الاحداث في حين ان الواقعي يقرأ المشهد كما هو، واستنادا الى ذلك هل يمكن اعتبار ان حارس الاندية الليلية السابق ووزير الخارجية الحالي ليبرمان متشددا ام واقعيا في ضوء تصريحاته تلك؟
ليبرمان قال ايضا لراديو اسرائيل: «أعتقد أن هناك مجالا لخفض سقف التوقعات والتحلي بالواقعية» ، وهذه «الواقعية» ليست سوى مفارقة سياسية لا يمكن انتاحها سوى في صراع مفعم بالخيال كالصراع العربي الاسرائيلي الذي يتغذى على الاساطير والتصورات الميتافيزيقية المشحونة بالعاطفة عن عوالم ما بعد الحياة.
عندما تستمع الى الطرف الفلسطيني تراه يهدد خصمه، وحين تنظر الى موازين القوى لا تتمالك نفسك من الضحك، وعندما تستمع الى الطرف الاسرائيلي تراه يصرح بانه لا يعلق امالا عريضة على المفاوضات فيتملكك الغضب باعتبار ان هذا الطرف هو المحتل والمطالب بان يزيل عدوانه، وبين الضحك الاسود والغضب يختزل الصراع الاطول في التاريخ.
لا استطيع ان اصف تصريحات ليبرمان بانها واقعية رغم انها تبدو كذلك ولو قالها – اي تلك التصريحات – سياسي فلسطيني او عربي لقلت انه واقعي ولا « يطعم نفسه وامته جوز فاضي» لكن هذه الواقعية الاسرائيلية نابعة من قرار استراتيجي متخذ بان الاتفاقيات التي ينبغي توقيعها مع الخصوم ينبغي ان تقر بهيمنة اسرائيل على مستقبل الدولة الجارة الوليدة وهذا القرار متسلح بتحالف لا تنفصم عراه مع اقوى قوة على الارض وبالتالي تأتي الواقعية الاسرائيلية مستندة الى ما هو مقرر مسبقا في شأن مآلات التفاوض.
يا الله كم هي المسافة شاسعة بين واقعيتنا وواقعيتهم!
الرأي