العبث والتشويه والتخريب الذي تتعرض له المواقع والمعالم التاريخية والممتلكات العامة ظاهرة قديمة ومستمرة . حتى اليوم لا يوجد برنامج حكومي او جهد تربوي فاعل يسهم في توقفها او يؤدي الى تباطوءها. الدوافع والمبررات التي تبرر ارتكابها وعوامل التغاضي عن اثارها المزعجه والمدمرة لا تزال مبهمة ومجهولة بالرغم من تنوع التأويلات التي يتبارى المحللون في صياغتها وتسويقها بلا جدوى
الاعمدة الحجرية في ساحة مدينة جرش الاثرية كانت اخر الضحايا للاعتداءات التي قام بها بعض من لا نعرف الكثير عن الاسباب والخلفيات التي دفعت بهم للقيام بذلك.
على الواجهة الاخرى تثير الاحداث المتكررة للاعتداءات التي تجري على المواقع والاماكن والمرافق العامة اسئلة كبيرة ومتنوعة حول مدى توفر برامج وخطط لحماية هذه المتشأت و جدوى جهود الحماية والرعاية التي تقوم بها المؤسسات المعنية بالوقاية والتحصين والحماية لمثل هذه الكنوز التاريخية.
المشهد الذي تناقلته وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي اثار غضب واستياء الكثيرين لكنه لم يقدم تفسيرا لاسباب حدوث مثل هذه الاعتداءات وفيما اذا كان لدى مؤسساتنا الامنية وغير الامنية جداول او برامج او تنبؤات لحصول مثل هذه الاعتداءات وهل هناك اي تقصير من قبل الجهات التي اوكلت لها المهام.
البيانات المتوفرة تخلو من اي اشارة الى ما قامت به المؤسسات من اجراءات للحماية والوقاية والمنع لارتكاب مثل هذا الفعل كما ان من غير الواضح اذا ما كانت تمتلك تفسيرا لمسوغات تكرار مثل هذه الافعال وخصائص وسمات من يقومون بها.
اهمية كل ذلك لا تاتي من حاجة الناس لمعرفة الطريقة التي تعمل بها مؤسساتنا بل لنطئن ان في جعبة مؤسساتنا تصورات للاخطار والتهديدات التي يمكن ان تتعرض له المرافق والاماكن والموارد والمنشآت التي تحتاج الى تحصين وحماية.
منذ اعوام قام البعض بحرق وتكسير احدىاجمل التشكيلات البصرية الجاذبة في منطقة ذيبان.في تلك الحادثة قام البعض باضرام النيران في اطارات مستعملة جرى نقلها الى ذلك المكان من اجل تشويه وتسهيل تكسير وتخريب المنظر الطبيعي الذي طالما لفت انظار الزوار وشجعهم على التقاط الصور التذكارية من على تلك الصخرة الازلية الجميلة.
تنامي الاعتداء على اثار ومعالم تاريخية وحضارية وطبيعية يزيد عمر بعضها على عشرات القرون ظاهرة تكشف عن حجم التوحش وقوة الرغبة في التدمير التي اصبحت لدى الاشخاص في مجتمع يتباهى بتعدديته وعالميته وتقبل افراده للتنوع والاختلاف.
منذ اكثر من عقدين من الزمان اجريت دراسة مسحية لاربعة مدن سياحية في الاردن لاستكشاف اثر العوامل الاجتماعية الاقتصادية على الحركة السياحية وتجربة السائح في اربعة مدن اردنية هي مادبا والكرك والسلط وعمان.
في تلك الدراسة وجهت الاسئلة لعينات من سكان المناطق المجاورة للاماكن السياحية في ثلاثة مناطق تحيط بالموقع ....وقد لوحظ يومها تباين شعور السكان تبعا لنوعية الاثار ومدى قربهم او بعدهم الجغرافي عنها.
الملفت ان غالبية سكان جوار المدرج الروماني بعمان لم يشعروا ان المدرج جزء من تراثهم التاريخي ولا الحضاري في حين ان سكان جوار مناطق الجذب في مادبا شعروا بذلك الامر الذي خلق لديهم اتجاهات ايجابية نحو الاماكن والزوار.
لا اعرف مدى افادة اخوتنا في السياحة ودوائر تنشيطها من مثل هذه البيانات وتضمينها لبرامج تحسن من جاذبية المناطق ومتعة زوارها.
في ادب العلوم السلوكية هناك قاعدة تساعد على فهم بعض التصرفات غير المتوقعة مفادها ان" الاشخاص اليأسون يعمدون الى استخدام وسائل بأسة للتعبير عن يأسهم".
ما حصل في جرش ليس جديدا ولن يكون اخر اعمال التشويه والتخريب.. فالكثير مما يحدث من اعمال مشينة لا تعدو كونها مؤشرات على خلل عميق في الطرق التي نربي فيها ابنائنا ونعد فيها اجيالنا للحياة وننظر فيها للاخر ولمفهوم الجمال والممتلكات العامة والعلاقة بيننا وبين الدولة.
غالبية الناس لا يتلقون نصيبهم من التنمية والرعاية ونتوقع منهم ان يكونوا اناس فاعلين يتحملون المسؤولية .والبعض يرى انه ينتقم من الظلم الذي يعتقد انه وقع عليه بتخريب الممتلكات العامة فيمل يرى البعض سلوك الجماعات المتطرفة ويسعى لتقليدها.