كعادة العمانيين في كل عيد, تشتبك جلساتهم الاجتماعية بالسياسة, فلا يخلو مجلس من حديث سياسي, وكانت القدس بتفاصيلها الاكثر حضورا وطغيانا, والموقف الاردني منها على رأس القائمة, بين مفاضل ومشكك وبين متحفظ, المفاضل يقيس الموقف الأردني بالمواقف العربية الاخرى وبالقدرة الاردنية في ظل وضع عربي بالغ السوء, افقد الاردن الكثير من عناصر القوة, اما المشكك فهو مسكون بهواجس داخلية وجد في قضية القدس متنفسا للتعبير عنها برداء ديني وقومي يلقى الكثير من القبول عند الاردنيين, اكثر من التقييم الفعلي للقدرة الاردنية, ويبقى المتحفظ, وهو الاكثر اهمية, ليس لانه يقف عند الفاصل بين الموقفين ولكنه بتحفظه, يفتح باب الحوار واسعا, ويستحضر العقل كي يبتعد في التفكير والتحليل, فهو لا يقلل من اهمية الدور والموقف, لكنه يعتقد ان بالامكان افضل مما كان, وتلك مسألة يصعب قياسها.
في كل الحوارات ثمة قانون غائب, وهو قانون الفيزياء السياسية, وتحديدا ما يسمى بعلم «الاستيتيكا» أي أن نقوم بتثبيت عامل ونحرّك الآخر, فمن جهة يدرك الجميع حجم الانزياح العربي عن القضية الفلسطينية, اما لانشغال بملفات وطنية, او لتغير في العقيدة الناظمة للعلاقات مع إسرائيل, وكأن الاردن بمعزل عن كل هذه المتغيرات, ويطالب المشكك والمتحفظ الاردن بمواقف في معظمها ينتمي الى مدرسة لم تعد قائمة منذ العام 1967, تارة باعلاء مفهوم الوصاية حد تساويه مع مفهوم السيادة, وتارة باعلاء السيادة حتى حد عودة الوحدة, او ما اطلقت عليه فصائل منظمة التحرير «الخيار الأردني", فالوصاية لا تعني السيادة, وهذا ما نجح رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في تظهيره خلال حفل الافطار الناجح الذي اقامته دائرة الشؤون الفلسطينية, وحضرته كل التلاوين الديمغرافية والسياسية, مع اغلبية لابناء مخيمات اللجوء.
هذه المعادلة التي فكفك اطرافها الخصاونة, ما زالت غائبة عن اذهان كثيرين, هذا على المستوى الداخلي, الذي يردد دوما اللازمة المشهورة, دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس, اي البرنامج المرحلي الذي توافقت عليه كل الفصائل الفلسطينية الاساسية في منظمة التحرير الفلسطينية, ولاحقا اقرته حركة حماس, باطلاقها مشروع الهدنة الطويلة الاجل مع الكيان الصهيوني, والهدنة هي الاسم الحركي او اسم الدلع للبرنامج المرحلي, وهذا ايضا ما ردده الخصاونة في الافطار المشار اليه كأول رئيس وزراء في المملكة الرابعة يتحدث بهذا العمق والفهم لطبيعة العلاقة ومحدداتها ومرتكزاتها- دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية, بالاضافة الى التفريق بين السيادة والوصاية, لكن الضعف في الفيزياء السياسية والفيزياء كعلم متأصل في الطبقة السياسية.
ما يسقط بغرابة شديدة او يتم القفز عنه عمداً, هو المتغير الفلسطيني, منذ وصول حماس الى السلطة عبر صناديق الاقتراع, ثم الحسم العسكري في غزة, الى معركة سيف القدس التي غيرت كل المعادلة الفلسطينية, واعادت الروح الى الجسم الفلسطيني الواحد على كل شبر من ارض فلسطين, من رفح الى الناقورة, وهذا يقول بالفم الملآن ان اي نظام سياسي عربي لا يستطيع ان يتقدم على هذا المتغير, بل لا يمكن الا ان يدعمه ويستثمر فيه, من حزب الله وايران اللذين يستثمران في المقاومة لحسابات متعددة, وبنفس الفم الملآن نقول ان الاردن اصدقهم في التعاطي مع هذا الملف, وفقا لقوانين الفيزياء العامة, فشروط الحياة في الضفة الغربية ستتغير نحو الصعوبة المميتة لولا المنفذ الاردني, وقطاع غزة ستأكله الاوجاع لولا المستشفى الميداني, هذا معاشيا, اما سياسيا فإن الاردن يستثمر كل طاقته لصالح فلسطين وقضيتها ودفع اثمانا باهظة مقابل ذلك, ولا نحتاج الى تعدادها حتى لا ننكأ جراحا داخلية.
ما يلفت ان مصطلح المقاومة بالمعنى السائد, لم يكن يوما واردا في قاموس الدولة الاردنية, فهي لم تضع اصبعا لها على شكل فصيل كما فعلت عواصم كثيرة لغايات غير المقاومة, لأن الجيش العربي كان هو الحامل لهذا العبء, وما زالت دماء شهدائه حاضرة في فلسطين والكرامة, ولأن الشعب الاردني بكل تلاوينه كان جزءا من حركة المقاومة ولا يحتاج الى فصيل على غرار الفصائل العربية, فكل فصيل في منظمة التحرير كان الحضور الاردني فيه بارزا ان لم يكن طاغيا, وربما هذه المعادلة اليوم بحاجة الى مراجعة.
omarkallab@yahoo.com
الرأي