نصر في (الدونباس) ومثله في (موسكو)
د.حسام العتوم
07-05-2022 12:14 PM
تماماً كما نقول في شرقنا (العيد بعيدين)، فإن النصر الروسي الكامل قادم في (الدونباس ولوغانسك) بعد رفع أعلام روسيا وإقليمي (الدونباس ولوغانسك) فوق مصنع أزوف المليء حالياً بعناصر (أزوف) المتطرفة وبحجم يصل إلى 2000 عنصر، وبتقنيات وعناصر تابعة على ما يبدو لحلف شمال الأطلسي، وأسرار، ودروعاً بشرية من نساء وأطفال أوكرانيا، وهو المصنع المحاصر من قبل الجيش الروسي الأحمر، وبأمر مباشر من رئيس روسيا الإتحادية فلاديمير بوتين ترك من تاريخ 19 نيسان الماضي من دون إقتحام من قبل القوات الخاصة العسكرية الروسية لأسباب إنسانية، حتى يخرج من جوفه من يرغب من المقاتلين الأوكران بالراية البيضاء، والأولية بطبيعة الحال للنساء والأطفال . ولقد خرج طوعاً منهم حتى الآن أكثر من 120 مدنيا ومن بينهم أطفال.
وتستعد موسكو العاصمة الجميلة بلبس أجمل حلتها للإحتفال مجدداً بعيد النصر (السابع والسبعون) على الفاشية الألمانية بتاريخ 9 أيار 2022 ، بمشاركة 11 الفاً من الجنود والضباط الروس، وخطاب هام متوقع للرئيس بوتين يفصح عن حقيقة العملية العسكرية الخاصة الروسية التي إنطلقت بتاريخ 24 شباط المنصرم، والتي يطلق عليها الغرب مصطلح الحرب، ووسط ( المدرسة الغربية ) بالغزوة، وفي الديار الأمريكية والبريطانية بحرب الإبادة، والعرض العسكري الروسي المهيب القادم في الساحة الحمراء بجوار أضرحة زعماء الثورة البلشفية 1917 والسوفييت 1924 ، وبجوار قصر الكرملين الرئاسي المدهش، سيعطي معنا مختلفا للعملية العسكرية الروسية الدائرة رحاها في (الدونباس)، وما ستظهره وزارة الدفاع الروسية من أسلحة حديثة سنلاحظ عدم استخدامها في العملية الخاصة في شرق أوكرانيا، والمعروف بأن روسيا دولة عظمى متفوقة في مجالي السلاحين التقليدي وغير التقليدي ( النووي ) لدرجة فوق النووي وبحجم يزيد على 7 آلاف رأس نووي، ناهيكم عن أنماط عديدة من الأسلحة الكيميائية الفتاكة وغيرها، وتفوق نوعي ملاحظ على حلف (الناتو) مجتمعا، والصواريخ الحديثة الأخيرة الباليستية عابرة للقارات مثل ( كنجال، والشيطان، وكاليبر، وسارمات ) مجرد مثال .
وحتى لا نذهب بعيدا، تعرف روسيا الاتحادية - القطب العملاق مساحة ( أكثر من 17 مليون كلم² )، والمعارض ، والقائد لعالم الأقطاب المتعددة، بأنه لا يقبل بالقطب الواحد الأمريكي المتغول وسط خارطة العالم، والمسيطر على أركانه السياسية والإقتصادية، ولا تبادر بإستخدام سلاحها النووي الخطير، والتاريخ المعاصر شاهد عيان منذ إنتاج الاتحاد السوفيتي بزعامة روسيا للقنبلة النووية عام 1949، في وقت اكتشف فيه مخططاً إستخبارياً أمريكياً للإعتداء نووياً على الإتحاد وقتها، وهو ما أكده مدير الإستخبارات الخارجية الروسية سيرجي ناريشكين، وفي زمن إستخدمت فيه أمريكا قنبلتها النووية الأولى فوق مدينتي ( هيروشيما وناكازاكي ) اليابانيتين، والتسبب في مقتل والتشويه خلقياً لأكثر من 250 الفاً من سكان اليابان .
ومن يعتقد بأن موسكو أخطأت هدف وتوقيت العملية العسكرية صوب شرق أوكرانيا يخطيء لامحالة، والأصل أن بدأت عام 2014 تزامناً مع الإنقلاب الدموي في ( كييف ) العاصمة على يد التيار البنديري المتطرف القادمة جذوره من أتون الحرب العالمية الثانية، وتحديداً من وسط الجناح النازي الهتلري، وبالتعاون مع الإستخبارات الأمريكية CIA، و( بندير) بالمناسبة هو جدهم، وصعود ملاحظ وقتها إلى وسط النخبة السياسية الأوكرانية المتطرفة الحاكمة غير المنسجمة مع روسيا، والتي إشتركت مع أمريكا وبريطانيا في خطاب كراهية واحد لروسيا المعاصرة خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991. وبعدما ماطل الرئيس الأوكراني السابق ( بيترو باراشينكا ) في تنفيذ اتفاقية ( مينسك 2015 )، وبعدما حارب الإتفاقية والحوار والسلام الرئيس الحالي فلاديمير زيلينسكي - منذ عام 2019، الفنان الساخر السابق، كاتب سيناريو الحرب هذه، وبالتعاون مع أمريكا وبريطانيا ضد روسيا وبإسم الغرب، ومع هذا وذاك لامجال لمقارنة عقوبات الغرب الإقتصادية والتي هي تحصيل حاصل على روسيا وحتى خارج إطار الحرب، بأن يجنح خيار المفاوضات الروسية - الأوكرانية لصالح غرب أوكرانيا لتفادي العقوبات حسبما يحلو لبعض السياسيين أن يكتبوا، ولدى روسيا الاتحادية لمن لا يعرف قضية عادلة ومظلمة حقيقية وسط عمليتها العسكرية الدائرة، فلقد صبرت روسيا ثماني سنوات منذ عام 2014 بعد تسبب ( كييف ) جيشا وأزوف بمقتل وتشريد وهبوط للملاجيء حوالي 14 الفا من سكان شرق أوكرانيا من بينهم قرابة 500 طفل، بهدف ضم شرق أوكرانيا الناطق بالروسية بحجم ثلاثة ملايين ونصف انسان، إلى جانب نصف مليون روسي، وموالون لروسيا . وتداخل النسيج الديمغرافي الروسي والأوكراني، ولأسباب إنسانية، أبطأ العملية العسكرية بكل تأكيد، وهدنة في أزوف مدتها ثلاثة أيام لإتاحة الفرصة أمام المدنيين والعسكريين الخروج من الطوابق السفلى المحصنة في مصنع ( أزوف )، وبعدها يتحمل المختبئون المسؤولية كاملة . ولقد تمكن الجيش الأحمر الروسي من تدمير حوالي 400 موقعا أوكرانيا عسكريا مهددا لسيادة روسيا ولأمن شرق أوكرانيا وإلقاء القبض على الضابط الكندي ( تريفور كادييير ) في مصنع أزوف، وهو نجاح روسي كبير، وليس كما تصور ماكنة الإعلام في غرب أوكرانيا، وفي الغرب عموما .
ومسألة ضخ السلاح الأمريكي وبحجم 30 مليار دولار إلى جانب الأموال الدولارية البريطانية بحجم أكثر من 600 مليون ومن دول عديدة أخرى وسط جيش أوكرانيا الضعيف مهنيا، والمعتمد على المرتزقة من مناطق عديدة من العالم، أمر يدعو للتساؤل، والأصل أن توجه الأموال الطائلة لإعادة بناء أوكرانيا ولمواصلة البناء فيها غربا وشرقا من دون تحيز، ووثائق سرية تكشف عن شبكة مرتزقة دولية يمثلون ( 45 دولة ) تحارب إلى جانب الجيش الأوكراني وفصائل ( أزوف ) المتطرفة، التي يدربها الجيش الأمريكي بشهادة الصحفية الأمريكية ( لارا لوجان ) من صحيفة fox -nations، ومعظمهم من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل، وباقي دول أوروبا، ومن بين أسماء المرتزقة سفير إسرائيل السابق في بيلاروسيا (ألون شوهان )، ونبوءة ( جولييتو كيينزا ) الإيطالي بتاريخ 2015، بأن أوكرانيا ستقودها النازية بدعم أمريكي، ووكرا لمهاجمة روسيا، ومذبحة بشرية في (الدونباس ولوغانسك )، وشرارة لحرب عالمية ثالثة، تحققت في أيامنا هذه، ومجلة ( إيكونوميست ) البريطانية تروج لفساد و ترهل وسط الجيش الروسي، وهي دعاية صفراء ورمادية كاذبة واضحة بحق واحد من أهم وأقوى جيوش العالم، والأكثر انضباطية، ومن يريد أن يتأكد فليتابع العرض العسكري في موسكو بمناسبة عيد النصر على النازية الألمانية.
ودعايات مغرضة مشابهة تبثها قنوات إعلام ( البنتاغون – وزارة الدفاع الأمريكية)، تتحدث عن ضعف الجيش الروسي، وعدم تمكنه من إجتياح العاصمة الأوكرانية ( كييف )، بينما الإستراتيجية العسكرية والسياسية الروسية تتحدث خلاف ذلك، ولاتدعو لإقتحام ( كييف )، أو إحتلالها، أو إحتلال غرب أوكرانيا، والغرب الأمريكي كما صرح وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف يعتقد بأنه في حالة حرب مع روسيا.
وليست روسيا هي من رغبت بتحريك عمليتها العسكرية في شرق أوكرانيا، ورغم القرار الجماعي للقيادة الروسية برئاسة بوتين، صاحب القرار المناسب في الوقت الاضطراري والإستباقي الهام، وإنما (واشنطن)، و( لندن )، و( كييف ) ووتخطيطهم المشترك تحت المظلة اللوجستية الأمريكية (CIA )، وبهدف يجمع عدة أهداف مشتركة في سلة واحدة، وهي ( ضمان السيطرة على غرب أوكرانيا والعاصمة ( كييف ) بالقرب من الحدود الروسية، محاولة انتاج قنبلة نووية مهددة لأمن وسيادة روسيا، ونشر (30) مركزا بيولوجيا حاضنا للفيروسات وضارا لروسيا تحت إشراف إبن الرئيس الأمريكي بايدن – هانتر، محاولة مساعدة ( كييف) لإستعادة شبه جزيرة ( القرم ) لكي يرسو الأسطول السادس الأمريكي في مياهه الإستراتيجية، تشجيع غرب أوكرانيا لضم شرق أوكرانيا قسرا بهدف طرد أخر معقل له علاقة بالدولة الروسية )، وأبرزت إسرائيل عن أنيابها وسط الحرب الروسية – الأوكرانية - العملية العسكرية، عبر التصويت على طرد روسيا من منظمة حقوق الأنسان بعد حادثة ( بوجا ) بالقرب من العاصمة ( كييف )، والتي وصفت بحرب إبادة، في وقت قدّم فيه الجيش الروسي مساعدات إنسانية للمنطقة بلغ حجمها (452) طنا، وتناست إسرائيل بأنها ( دولة ) احتلال واستيطان وعنصرية، وتوجهت أكثر تجاه رغبتها بإستدعاء سفير روسيا في تل – أبيب إثر تصريح لوزير خارجيتها سيرجي لافروف وصف بأنه معادي للسامية بسبب قوله بأن هتلر دمه يهودي، وقبله تصريح للرئيس بوتين وصف فيه أوكرانيا الغربية بالنازية . وسبق لروسيا أن إستدعت سفير إسرائيل في موسكو لوصف بلاده العملية العسكرية الروسية بالغازية .
والعبرة الكبيرة من النصر السوفيتي إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية على النازية الهتلرية عام 1945 ورفع العلم السوفيتي فوق مبنى الرايخ الألماني ( البرلمان )، هو أن النصر سجل وقتها وبجهد الزعيم جوزيف ستالين وقائده الميداني جيورجي جوكوف من دون إمتلاك قنبلة نووية، ولو امتلكها السوفييت لما استخدموها أخلاقيا، فماذا نقول الآن عندما تمتلك روسيا الاتحادية لوحدها أضخم وأقوى ترسانة نووية في العالم ولا تضاهيها غير ترسانة حلف ( الناتو ) مجتمعا المعادي لروسيا؟! وفي المقابل الحرب الإعلامية في الأحداث العسكرية الجارية في أوكرانيا، وحشود السلاح الغربية الأمريكية والبريطانية والعالمية لا تصنع نصرا سريعا، وستبقى روسيا صاحبة حق، وقضية عادلة، ومظلمة، ولن تتمكن مؤامرات الغرب الإنتصار عليها رغم تكرار العقوبات الأقتصادية والسياسية واللوجستية غير المبررة .
وفي الختام هنا قليلون هم الذين يعرفون بأن العملية العسكرية الروسية تجاه شرق أوكرانيا جاءت بدعوة من إقليمي ( الدونباس ولوغانسك ) بعد طلبهما أن تعترف روسيا الاتحادية بإستقلالهما، وبأن توقع معهما معاهدة تعاون ودفاع مشتركة، وهو ماحصل دفاعا عنهما، وعن سيادة روسيا نفسها التي تعرضت لمؤامرة واضحة من طرف غرب أوكرانيا ومن الغرب الأمريكي – البريطاني تحديدا، واعتمدت روسيا من زاوية احترامها للقانون الدولي على المادة 51 7 من مواد الأمم المتحدة التي تخول الدولة العضوة لديها مثل روسيا أن تدافع عن نفسها اذا ما تعرضت لخطر خارجي .