الإعلام بين الإنحياز والموضوعية
سليم النجار
04-05-2022 11:00 PM
قد يبدو هذا العنوان في هذا العصر مدعاة للسذاجة، في ظل ثقافة الشيطنة لكل ما هو مطروح في عالم الإعلام، من أفكار وأراء ووجهات نظر بين العاملين في هذا المضمار، خاصة إذا ما عرفنا لكل من درس هذا الفن بأن الموضوعية هو الدرس الأول في هذه الصناعة، لكن على أرض الواقع تختلف الصورة تماماً، فالسياسة التحريرية تخضع لتوجهات مالك هذه الوسيلة أو تلك، ويتم التلاعب بالألفاظ اللغوية، والتراكيب اللغوية أيضاً، ليصبح الفاعل مفعول به لتتمظهر صورته على شكل ضحية على شاشات العرض وعبر الأثير، وكل وسائل التواصل الإجتماعي.
حتى مبتدأ الخبر وبسرعة البرق يتحول إلى فاعل مضمر، وهذا التلاعب في اللغة والتنقل كلاعب السيرك بين الجملة الإسمية إلى جملة فعلية، دون مصوغات تخضع لعلم اللغة، بقدر ما تخضع إلى ضرورة الإنحياز للحدث.
ومن يتابع هذه الأيام الحرب المشتعلة بين وسائل الإعلام الروسية ووسائل الإعلام الغربية، لتغطية ما يُعرف في هذه الوسائل (الحرب الروسية الاوكرانية) يدرك إلى أي مدى وصل حال الإعلام من تهريج ولعب بالعواطف، وإغتيال الحقيقة التي عمادها الإنحياز، فهذه الوسائل تحولت إلى خلية عمل نابضة للترويج للإنحيازات المسبقة، وقائمة على أدوات مسرحية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، من ممثلين ومخرج، وكاتب نص، وإضاءة، أما المشاهدين هم ضحايا العرض.
نحن أمام عرض مسرحي هزلي، لا نعرف متى تنتهي مدة العرض، لكن من الواضح ان هناك ممثلين ومخرجين جدد سيشاركون في العرض، فالإنحياز هنا للقتل، وبناء فلسفة إعلامية "لصوصية" إذا جاز التعبير، تتفن الولايات المتحدة الأمريكية في صناعتها، بأدوات بالية ومصطلحات فارغة من مضمونها، كحقوق الإنسان، والحفاظ على السيادة، والحرية، والديمقراطية، كلها كلمات لا ترتقي إلى مفهوم المصطلح، بقدر ما تنتمي إلى البوربوغندا الكلامية، وكأننا أمام حلبة مصارعة تبعث على التقزز والغيثان.
أما الإنحياز الواضح للعيان، في فتح مقابر جديدة، وهذه المقابر التي هي أهم دعامة لفلسفة الإعلام اللصوصية الغربية الأمريكية، قبل الحرب، كانت الراسمالية تُبدع في جعل الجغرافيات السياسية، التي تُعرف بإسم الدول إلى أسواق استهلاكية لمنتجاتها، من عملية تسويق ماهرة، التي اصبحت جزء من حياتنا اليومية، لا يمكن الإستغناء عنها، ألا وهي "المولات" الكبيرة والضخمة، التي اصبحت زيارتها قيمة اقتصادية اجتماعية، الآن خلقت لنا وسائل الإعلام الغربية الأمريكية، "مقابر" بتسمية محسنة "مولات"، وأول ضحايا هذه المقابر الجديدة هو الإنحياز.