نظم الحماية الاجتماعية بين أزمتين
د. عبدالحليم دوجان
04-05-2022 07:45 PM
أزمتان متتاليتان ممتدتان، عميقتان في آثارهما وتبعياتهما، ولم تلحق ان تنتهِ الأولى حتى بدأت الثانية، ولم تطفُ وتظهر آثار الأولى بشكل كامل حتى بدأت الأخرى، تضرب وتمزق بيد طرشى دون رحمة، ولا يمكن أن تفصل تداعيات الأزمتين عن بعضهما بعضا، دول غنية وكبيرة لم تتحملهما، ولا أغنياء يستطيعون، فكيف تستطيع دول هشة اقتصاديا وفقراؤها وجياعها تحملهما أو تجاوزهما، العالم أجمع يعيشهما دون استثناء، وسيقع ملايين الناس في براثن الفقر والفقر المدقع حول العالم، لا سـيما لـدى الفئـات الضعيفة.
الأردن ما قبل الأزمتين يعاني من ظروف وأزمات اقتصادية، فقرا وبطالة، فجاءت أزمة كورنا لتقول كلمتها فينا، وزادت العيار في كل شئ، في التنمية، ثم البطالة، فالفقر، وتداعياتها البعيدة والعميقة اجتماعيا وسياسيا، واستنزفت قوى وجهود وأفكار التفاؤل الاقتصادي، وخذلت جنوده، وأزمة أخرى بعيدة جغرافيا وسريعة التأثير السلبي في كل شيء، فزادت الطين بلة، فلم نصحوا ونتعافى من الأولى حتى تلبدت بنا الثانية ، فلن تبقي شيئا من بقايا صور الصمود من الأزمة الأولى .
أعان الله المواطن على تحمله وصموده ومقاومته لهذه الأزمات العنيفة والممتددة ، وهذا يتطلب إيلاء الاهتمام الفوري واتخاذ الإجراءات الفوريـة في مستويات وقطاعات متعددة ، ومن أهمها إعادة النظر بنظم الحماية الاجتماعية العاملة وحماية الناس الذين يعيشون الفقر والحول دون دفع المزيد منهم إلى الفقر.
وتـبين الأزمـة الحاليـة حرب أوكرانيا ، والتي على الأغلب ستطول لفترة أكبر من المتوقع، أن عدم تكيف وإهمـال الحمايـة الاجتماعيـة وتوفير الخدمات الاجتماعية مع متطلبات الفترة الحالية المتعلقة بالاحتياجات الأساسية يكبـد أجيـال الحاضـر والمـستقبل ثمنـاً باهظـاً، ويعيد السياسيات والبرامج إلى المربع الأول.
فمن أجل التصدي للمخاطر ومواطن الضعف للأفـراد والجماعـات، للقـادرين وغير القادرين على العمل على حد سواء، بغرض مساعدهتم في مواجهة الفقـر والتغلـب عليه، لا سـيما حـين تـنجم عـن حـوادث خارجـة عـن إرادهتـم، فمن الضروري إعادة تقييم وتقويم نظم الحمايـة الاجتماعيـة من سياسات وبرامج وأداوات كشبكات الأمان والمعونة الوطنية والضمان الاجتماعي وغيرها، باعتبارها معدة في ظروف اقتصادية وسياسية مغايرة للظروف التراكمية الحالية أو قد لا ترتقي للآثار التي ستنجم عن الأزمتين الحاليتين.