أشعر بالتعاطف مع وزير الطاقة، الذي تورّط بتصريحات (على "التويتر"!) يهاجم فيها الصحف والكُتّاب الذين تناولوا أزمة انقطاع الكهرباء، وأثارت غضبا في الأوساط الإعلامية، فهو لم يأت بجديد عن زملاء له مسؤولين ووزراء. بل بعضهم تمادى إلى انتقاد عباد الله أنفسهم ووصفهم بلغةٍ جارحة خلقت أزمة سياسية عاصفة.
هذه اللغة الفوقية، مع الإعلام والناس والقطاع العام، تعكس بدقة وأمانة حقيقية طبيعة المزاج الذي يحكم نمطا جديدا من المسؤولين، مسكونا بعُقدة القطيعة مع الرأي العام.
المفارقة أنّ الوزير نفسه شارك مع زميله وزير المياه في جولة نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية، أول من أمس، إلى محافظات الشمال بعد أن تفاقمت مشكلتا المياه والكهرباء، وولّدتا حالة من الاحتقان والغضب الشعبي، وصلت إلى الاعتصامات الأهلية.
لكن على ما يبدو، فإنّ الوزير ظنّ أنّ المطلوب منه تحميل الإعلام المسؤولية، وفقاً للسُنّة الدارجة لدى المسؤولين والوزراء خلال الفترة الأخيرة، طالما أنّ الموقف الحكومي عموما منزعج من الإعلام، فلمَ لا يلقي هو الآخر باللائمة على أولئك الإعلاميين الجهلة السوداويين، الذين لا همّ لهم سوى تأليب الشارع على الحكومة!
ما يستحق التوقف عنده، فعلاً، هو نمط جديد من المسؤولين يتصرفون وكأنّهم في شركات قطاع خاص، وليسوا سياسيين في دولة، فيها شعب وقوى اجتماعية وسياسية. وأغلب هؤلاء المسؤولين من جيل الشباب، إذ يفترض بهم أن يكونوا أكثر انفتاحا على المجتمع والناس والإعلام، وأن يشتبكوا مع الرأي العام، إلاّ أنّهم يعزلون أنفسهم ويخاطبون الناس من خلال "التويتر"، ويتواصلون مع شريحة اجتماعية محددة، غير آبهين بالأغلبية العريضة من الناس في المحافظات والمدن والأحياء الفقيرة.
لا أستطيع أن ألوم أولئك الوزراء أو المسؤولين الجدد في الحكومة والمؤسسات شبه الحكومية، فلم يختبروا الحياة السياسية، ولم يكونوا نتاجا لمعترك طويل في الخدمة العامة، ولم يعرفوا في حياتهم حزبا سياسيا، أو يشاركوا في نشاط جماهيري.
هذا النمط المبهر من المسؤولين والوزراء جاء صُدفة بفضل علاقات شخصية ومعارف خاصة، بعضها متوارث، ولم يتم تأهيلهم سياسيا أو إعلاميا للتعامل مع "منطق إدارة الدول"، فكيف سنطالبهم، بلا مقدّمات، أن يدركوا المعادلات السياسية والاجتماعية وأن يشعروا بمعاناة الفقراء والمحرومين وأن يشتبكوا مع وعي الناس وثقافتهم!
طالما أنّ الدورة السياسية بين المعارضة ومؤسسات الحكم معطّلة، وهي التي كانت تتكفل بإنتاج نخب سياسية محترفة، خبرت ومارست العمل السياسي والاتصال الشعبي في ألوانه المختلفة، وطالما أنّ القطاع العام، الذي كان يساهم في إعداد النخب الإدارية المخضرمة، تم تجاهله وتدميره خلال السنوات الأخيرة، وطالما أنّ آليات إنتاج النخب السياسية الإدارية لم تعد تعمل، فإنّ النتيجة الحالية تبدو طبيعية!
عن صحيفة الغد اليومية.