الشارعون في الانتحار ضحايا لا جناة
أ. د. كامل السعيد
30-04-2022 11:10 PM
لم التجريم ولم العقاب !!!
نشرت وسائل الاعلام خبرا مفاده أن المجلس النيابي المحترم قد أقر في احدى جلساته نصا تشريعيا جرم بمقتضاه الشروع في الأنتحار ان تم في مكان عام .....الخ .
واصارحكم القول بأن هذا النص قد استوقفني بأعتباره نصا محدثا لانعدام نظيره في التشريعات الجزائية عربية كانت أم أجنبية خاصة بعد أن قام المشرع الجزائي الانجليزي بألغاء تجريم الشروع في الانتحار بموجب قانون الانتحار الصادر عام 1961 على نحو لم يعد ساري المفعول في انجلترا وويلز.
ان تجريم الشروع في الانتحار في نظري لا يشكل مخالفة لمباديء التجريم والعقاب فقط في التشريعات الجزائية ، وانما يعد خروجا صارخا على تلك المباديء.
وتعليل ذلك من الناحية القانونية بأنه لا مجال لتجريم الشروع في اي جريمة الا اذا كانت الواقعة التي شرع بتنفيذها قد سبق ان جرمها قانون العقوبات وعاقب عليها ، وهذ ما استقر عليه الامر في التشريعات الجزائية قديمها وحديثها.
وبالنظر لأن قانون العقوبات الاردني لم يجرم واقعة الانتحار ، فأنه لا يجوز تجريم الشروع فيه ، اضافة لما تقدم فأن من يحاول الانتحار في مكان عام أو امام الجمهور ، انما هو اقل خطورة ممن يحاول الانتحار او الشروع فيه خفية ، لأنه لا يكون في الأعم الأغلب من الأحوال جادا أو مصمما عليه ، وانما يكون قد اراد لفت نظر الجمهور الى خطورة ما يعانيه وما تعانيه اسرته ايضا من أوضاع اقتصادية أو اجتماعية أو صحية أو نفسية متردية ونقطعت بهم السبل جميعا لانقاذ أنفسهم مما هم فيه.
انه بهذا العمل يستصرخ ذوي الضمائر لكي يشعروا معه بما يعانيه من شظف العيش ومرارة الحياة ، فوجد أن الموت قد يكون هو أفضل سبل النجاة أو الحياة.
وفي مقدمة من يستصرخهم هي الدولة بأعتبارها مسؤولة بموجب الدستور الأردني عن احاطة مواطنيها بالرعاية والعناية فالدولة هي محل المسائله عن رعاياها لا العكس ولا داعي لتدوير الزوايا.
وقبل أن يفوتني الأمر أود ان اشير الى عدم جدوى العقاب على الشروع في الانتحار لانه اذا كان الشارع في الانتحار جادا فانه سيقدم عليه حتما حتى ولو كانت تنتظره العقوبة ، فمن لا يهاب الموت لا يهاب بالضرورة ما هو أقل منه ، ومن يصمم على الموت لايردعه الخوف من العقاب من تنفيذ ما عقد العزم عليه، فضلا عن ان من يحاول الانتحار ثم يشفى هو جدير بالعطف والمعالجة والتشجيع على حب الحياة والاستمرار في البقاء ، ولا يفيد في تحقيق ذلك كل سبل الملاحقة الجزائية والمحاكمة العلنية وفرض العقاب من حبس وسواه ، خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة لمن يعبث بحياة الاخرين وبعقولهم فيدعوهم الى قتل انفسهم او تشجيعهم على ذلك او تقديم ادوات التنفيذ لهم ، فهذا ذو نفسية خبيثة وجدير به العقاب ، ومن اجل هذا انعقد الاجماع بين التشريعات الجزائية على تجريم وعقاب كل من يساعد او يحرض الاخرين على الانتحار او الشروع فيه ، ومن بينها قانون العقوبات الاردني.
أمل ان لا نعود الى الوراء فنجرم الانتحار أو الشروع فيه كما كان الأمر عليه في الزمن الغابر في بعض التشريعات القديمة التي دالت ، حيث كان في بعضها يتم عقاب المنتحرين بالتمثيل في جثثهم ومصادرة أموالهم.
حان الوقت لاختتم مقالي هذا بخاطرتين قانونيتين في هذا النطاق:
تتمثل اولاهما بأن سيف العقاب لا مقبض له ، فهو يجرح القابض عليه كما يجرح من سيتم طعنه به حتما.
في حين تتمثل ثانيتهما بأن التجريم والعقاب هما مظهران من مظاهر الضرورة فلا يلجيء اليهما الا حين تتطلبهما المصالح العامة ، ولا مجال للشطط أو التوسع في مجال التجريم والعقاب الا لدواعي الضرورة.
فالعمل على مواجهة اسباب الجريمه وفرض العقاب الملائم اولى من توسيع نطاق التجريم والعقاب ، عقاب تتحقق به العدالة والردع اكان ذلك الردع عاما او خاصا .
وأخيرا وبناءا على ما تقدم فأنني أتمنى أن لا يرى هذا النص المستحدث نور الحياة مناشدا رأس الدولة وتاجها جلالة الملك ان لا يظفر هذا النص بتوقيعه السامي عليه.
اللهم أشهد فأنني قد بلغت