الموقف الأردني والصورة الذهنية للحرب الروسية – الأوكرانية
د.حسام العتوم
30-04-2022 10:55 AM
الأصل في العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين بلدنا الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني " حفظه الله ورعاه "، وبين روسيا الإتحادية وجارتها أوكرانيا، خاصة بعد استقلال كل منهما عن الإتحاد السوفيتي عام 1991 أن تبقى وتستمر متوازنة، وبخاصة في زمننا المعاصر بعد اندلاع العملية العسكرية الروسية الخاصة ( الحرب ) والتي اجتاحت شرق أوكرانيا ( الدونباس ولوغانسك ) بتاريخ 24 شباط المنصرم من هذا العام 2022 بدعوة منهما بعد طلبهما من موسكو الاعتراف بإستقلالهما لإنقاذهما من مظلمة وقعا بها جراء شروع ( كييف ) لضمهما للسيادة الأوكرانية قسراً، ومن ثم الإستمرار في قصفهما عسكرياً عبر الجيش وفصائل " أزوف " المتطرفة، والتسبب في مقتل حوالى 14 ألفاً منهم، ومن بينهم قرابة 500 طفل، فقط لكونهم موالون لروسيا، وناطقون بالروسية، وبحجم يبلغ حوالي 4 ملايين نسمة، منهم نصف مليون روسي تقريباً. وبعدما وقّع الإقليمان معاهدة تعاون ودفاع مشترك مع روسيا، وبعد رفضهما القبول بسياسة غرب أوكرانيا المنحازة علناً للغرب الأمريكي – البريطاني المعادي لعمقهم الإستراتيجي - روسيا الإتحادية، ورفض ( كييف – زيلينسكي ) الحوار الأوكراني غرباً وشرقاً ومع موسكو وعبر اتفاقية ( مينسك ) وتحت ضغوط أمريكية واضحة، ومثله فعل الرئيس الأوكراني السابق بيترو باراشينكا الذي ماطل في تنفيذ الإتفاقية ذاتها. وفي الوقت الذي استندت فيه روسيا - على مادة الأمم المتحدة 51 7 التي تجيز الدفاع عن النفس لأي دولة عضواً فيها وتم الشروع بالإعتداء على سيادتها مثل روسيا، وهو الموضوع الذي تحول روسياً إلى قضيةٍ وطنيةٍ وقومية.
وقد يتساءل القارىء الكريم عن جوهر علاقة روسيا بالحرب مع غرب أوكرانيا، وعن ذات العلاقة بين أمريكا وبريطانيا وسيادة أوكرانيا، وحرصهما المشترك للوقوف إلى جانب شعب غرب أوكرانيا؟ وهنا أجيب وبموضوعية خالية من المصالح الشخصية، والإنحياز لأي طرف منهما، ففي نهاية المطاف مصلحة بلدي ووطني الأردن العليا هي الأهم، وبناء عليه، فإن روسيا أقدمت على خطوتها العسكرية هذه وبقرار جماعي للقيادة الروسية برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين من منطلق المحافظة على أمنها الوطني والقومي والسيادي وسط ما يحاك ضدها من مؤامرات غربية - أطلسية علنية وسرية لوجستية، فلقد اكتشفت الإستخبارات الروسية مبكراً على لسان مديرها الخارجي سيرجي ناريشكين بشروع ( كييف ) بإنتاج (قنبلة نووية) بالجوار الروسي وبالتعاون مع أمريكا بسبب العلاقة التي نشأت بينهما في ميدان العاصمة الأوكرانية وثوراته البرتقالية، وأثناء الإنقلاب الدموي المشترك عام 2014 الذي عمل على الإطاحة بأخر رئيس أوكراني موالي لروسيا مثل ( فيكتور يونوكوفيج )، وبهدف قطع صلات غرب أوكرانيا بروسيا، لكن النتيجة جاءت مفاجئة وعكسية ( لكييف) عندما قررت موسكو – بوتين سحب إقليم شبه جزيرة ( القرم ) من السيادة الأوكرانية وإعادته لأصوله الروسية العميقة منذ عهد الأمبرطورة يكاتيرينا الثانية عام 1783، وليس كما أراد الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف عام 1954 لأسباب اقتصادية ومائية، ورغم استمراره في العهدة الأوكرانية ( 60 ) عاماً تحت الوصاية الروسية ،وحتى في عهد بوتين. ولقد تم التغرير بأوكرانيا – زيلينسكي الفنان الساخر السابق، وإيهامه بإدخال بلاده في حلف ( الناتو ) العسكري المعادي لروسيا، وكلنا أصبحنا نعرف بإقتراح الرئيس بوتين عام 2000 على الرئيس الأمريكي كلينتون لإدخال روسيا إلى الحلف بهدف إنهاء الحرب الباردة بعدما تم تفكيك حلف ( وارسو ) الشرقي قبل ذلك .
ولقد شجعت أمريكا ومعها بريطانيا ( كييف )، وجرّتا معهما الغرب والحلفاء في العالم لإستمرار مطالبتها بعودة ( القرم )، وبطبيعة الحال ليس للسيادة الأوكرانية ولكن لمصلحة أمريكا في إرسال اسطولها السادس لكي يرسو في مياهه لأسباب استراتيجية ذات علاقة بأهمية استمرار الحرب الباردة وسباق التسلح، وشجعوها على ضم شرق أوكرانيا بقوة السلاح وليس عبر الحوار واتفاقية ( مينسك )، وحوارات النورماندي، والهدف من جديد ليس القلق على سيادة أوكرانيا وعلى كرامة شعب غرب أوكرانيا، وإنما لطرد أخر معقل لروسيا وسط الأراضي الأوكرانية. وواصلت كل من ( واشنطن )، و( لندن ) مماحكاتهما العلنية الى جانب السرية اللوجستية وبإسم الغرب عبر تزويد ( كييف – زيلينسكي ) بالسلاح والمال وبمبالغ كبيرة وصلت الى 12 مليار دولار، وتوصية جديدة للرئيس بايدن عبر ا لكونغرس برفع المبلغ إلى 30 مليار دولار، ولدى حلف ( الناتو ) اعتقاد أنه في حالة حربٍ مع روسيا تماماً كما صرح حديثاً وزير خارجيتها لافروف، واستغلال من ( الناتو )، والكلام هنا لي، لمقولة أن الحرب الثالثة ستكون نووية فقط لذلك انتهج حراك الحروب التقليدية لكي يبقى أي ( الناتو ) داخل لعبة الحرب الأوكرانية لتحقيق مصالح تهمه أولاً، وتجاوزو ذلك، وكما صرح رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون مؤخراً بأن الهدف هو منع روسيا من التغول في الأراضي الأوكرانية من زاوية الحرص على سيادة أوكرانيا وحفاظاً على شعب غرب أوكرانيا، بينما هو الهدف الممكن فهمه يكمن في التحرش في الدولة الروسية المجاورة، لإضعافها حسب تقديرهم، من غير إحتساب ضعف المهنية العسكرية للجيش الأوكراني الذي ظهر في حربه يعتمد على المرتزقة، وعلى فصائل ( أزوف ) المتطرفة.
وما جرى من طرفهم في شرق أوكرانيا شاهد عيان، لكن النصر الروسي الحتمي القادم في الدونباس، وبالأخص في منطقة مصنع " أزوف " حيث يختبيء حوالي 2000 عنصراً أزوفي، واحتفاظ بنساء وأطفال أوكران بداخله، سيكرر ما كتبته سابقاً بأن حادثة النصر في الحرب العالمية الثانية عام 1945، ورفع العلم السوفيتي فوق ( الرايخ – البرلمان ) الألماني، يكرر رفع علمي روسيا والدونباس فوق المصنع لتنتهي الحرب، وحتى لا نذهب بعيداً فإن شعوب روسيا هي شقيقة للشعب الأوكراني، وتجمعهما عائلة سلافية واحدة، وتاريخ واحد عبر مجاعات ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، والنصر الكاسح على النازية الألمانية .
والموقف الأردني الرسمي العادل والمتوازن من الحرب الروسية - الأوكرانية – الغربية الأمريكية – البريطانية أظهره مبكراً بيان وزارة الخارجية الأردنية بتاريخ 22 شباط 2022، والذي دعا لضبط النفس، وهو الذي نقله مندوب المملكة الأردنية الهاشمية لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة السيد محمود الحمود، والذي شدد فيه على استمرار المجتمع الدولي وجميع الأطراف المعنية في بذل أقصى الجهود لضبط النفس، وخفض التصعيد، وتسوية الصراع بالطرق السلمية، وإستعادة الأمن والإستقرار في المنطقة من خلال الحوار والمفاوضات في الفترة الحرجة، وضرورة إحترام القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وسيادة الدول وسلامتها الإقليمية، ومباديء حسن الجوار.
وبالمناسبة ، فإن الرسم البياني لخطاب الخارجية الأردنية نلاحظ تطبيقات ميدانية روسية – أوكرانية له، وبنسبة مئوية معقولة، عبر مفاوضات سارت ودفعت تجاه خفض التصعيد صوب العاصمة ( كييف ) التي أعلنت موسكو بأنها لا تستهدفها، وما على الغرب الأوكراني إلا أن يلتقط الإشارة ويلتزم بمسار المفاوضات الممكن أن تضفي كما تفعل روسيا تماماً لإحترام القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة ‘ وسيادة الدول، ومبادىء حسن الجوار من خلال عدم زج الغرب الأمريكي – البريطاني بالمعركة عبر التزود من طرفهم بالسلاح الملياري الدولاري، وبالمال الوفير ليس من أجل إعادة البناء ومواصلته، ولكن من أجل أن تبقى الحرب مستمرة وفقاً لسيناريو غربي واضح .
ومشاركة الأردن في مؤتمر المانيا حول الحرب الأوكرانية 2022 لا يعني إسناد الجانب الأوكراني على حساب الجانب الروسي، وسبق لوزير خارجية الأردن السيد أيمن الصفدي أن تصدر وفداً عربياً إلى موسكو العاصمة مؤخراً، والتقى وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، ثم غادر والوفد العربي إلى وارسو للقاء وزير خارجية أوكرانيا ديميترو كاليبا، والهدف إنجاح الحوار والسلام بين الطرفين المتحاربين مباشرة روسيا وغرب أوكرانيا، ومعها الغرب الأمريكي – البريطاني . وأملنا كبير بأن يتفهم الجانبان الروسي والأوكراني الموقف الأردني والعربي عموماً، وأن لا ينعكس سلبا على التعامل مع الشأن الأردني والعربي في الداخل الروسي والأوكراني في الحاضر وفي المستقبل، ووحدة العرب مطلوبة دائماً لتشكيل موقف عربي موحد من أزمات الإقليم والعالم الدولية .
وفي المقابل فإن الجانب المحارب في الصراع الدائر سواءً كان روسيا أو أوكرانيا الأصل أن لا يستهدف وسائل الإعلام والصحفيين ليسجل نصراً سريعاً، ومثلما قصفت موسكو محطة تلفزيونية أوكرانية في كييف العاصمة، أغلقت غرب أوكرانيا محطات روسية قبل ذلك، وشجعت أمريكا على إغلاق غيرها، واغتالت صحفيين روس، وشرعت للتوجه لإغتيال أسماء كبيرة غيرهم مثل ( سلافيوف وكيسيليوف )، والإشاعات الإعلامية الكاذبة ارتفع منسوبها في الآونة الأخيرة وسط الجانب الغرب أوكراني، والغربي – الأمريكي، وأمثلتي وسطها هي، الإدعاء بأن صاروخين أوكرانيين إستهدفا البارجة الحربية الروسية " موسكوفا " في الوقت الذي قررت فيه روسيا إخراجها من الخدمة لقدمها، ولإنفجار عسكري حدث بداخلها، وإشاعة ( البنتاغون – وزارة الدفاع الأمريكية )، بأن الجيش الروسي ضعيف وغير قادر على الزحف تجاه العاصمة ( كييف )، بينما هي الإستراتيجية العسكرية والسياسية الروسية لم ولن تتحدث عن شروع روسيا إحتلال غرب أوكرانيا أو عاصمتها ( كييف )، وفقط في حالة توجهها لإنتاج ( قنبلة نووية ) لاحقاً، سيكون لكل حادثة حديث، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإشاعة الرئيس فلاديمير زيلينسكي بأن روسيا تشن حرب إبادة على بلاده، وهو الذي صدقه الغرب في واقعة ( بوجا ) بالقرب من العاصمة ( كييف )، رغم المساعدات الروسية الإنسانية لمنطقتها وبحجم وصل الى ( 452 ) طناً، والتسبب في إخراج روسيا من منظمة حقوف الإنسان، والتوجه لمحاصرتها، وتوجيه عقوبات متجددة اقتصادية ضدها، تواجهه روسيا بالإعتماد على الذات، وعلى بناء علاقات دولية جديدة ( صينية – هندية – إيرانية ) وغيرها عبر مسارها السياسي والإقتصادي الداعي لإنجاح عالم الأقطاب المتعددة، ووضع حد لتغول عالم القطب الواحد .