أكثر وأهم ما تحتاجه إدارة الدولة "أية دولة" لبناء قراراتها وسياساتها وحتى إستراتيجياتها الشاملة, هو "التحليل السياسي" الذي يقرأ المشهد الوطني والإقليمي والدولي بعين فاحصة, ليخرج من ذلك بتصور محكم حول ما يجري, وما سيجري أيضا.
والتحليل السياسي الذي أعني, ينهض به مبدعون قادرون على رؤية بصيرية قبل البصرية , لكل ما يدور في الأفق من أحداث وما يكتب وما يقال وما يتخذ من قرارت على الصعد المحلية والإقليمية والدولية , والتنبؤ بالتالي بما يمكن أن يحدث على هذه الصعد كافة , ومن ثم , التوصية لدى صانع القرار بمثل هذه التنبؤات , للأخذ بها إما تحوطا , أو على هيئة إجراءات وقرارات إستباقية من شأنها صيانة الأمن الوطني والقومي كذلك.
ما أرمي إليه , هو القول بأن المعلومات المجردة وحدها, لا تكفي لأن تكون أرضية أو قاعدة لصنع القرار, فهناك في عالم اليوم ما يمكن تسميته بظل السطور وما بين السطور من جهة, وما تخفي المعلومة في ثناياها من معلومات أهم غير ظاهرة, من جهة ثانية.
في الأردن, نحن بحاجة إلى "مفكرين" سياسيين يمتلكون ناصية الفكر والتأمل القادر على ربط الأحداث والمعلومات والقرارات بعضها ببعض, لا بل والقادر على قراءة حتى لغة الأجساد وما قد تخفي النيات من هذا الطرف أو ذاك , ولو من باب التنبؤ الدنيوي الذي قد يصيب وقد يخطيء.
أكثر من ذلك , فالتحليل السياسي المبدع , يمكن أن يضع توصيات بين يدي صانع القرار , لإتخاذ قرارات أو مواقف مسبقة تسهم في رد الأذى وتشيع الطمأنينة حيال أمن الوطن بكل تفاصيله السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
قبل أن أغادر , سلامة الأوطان وقوة مواقفها ونباهة سياساتها , تتطلب وبالضرورة حتما , قدرات فائقة على قراءة الواقع كما هو في شتى مناحي الحياة , ومتابعة ما يدور وما يقال وما يتخذ خارج أسوار تلك الأوطان , وتلك مهمة لا ينهض بها إلا مفكرون مبدعون بالفطرة وبالطبع معا . الله من أمام قصدي.