بدائل عقوبة الحبس لدى الشروع في الانتحار
المحامية ايناس الفقهاء
28-04-2022 11:54 AM
ان تجريم الشروع في الانتحار ومعاقبة من يحاول الانتحار هو أمر في غاية الخطورة ولا يتفق مع روح القانون ويتنافى مع الغاية من وضع العقوبة، فمن هانت عليه نفسه فمن باب أولى ان يهون عليه العقاب، ناهيك عن أن كون المعتدي يعتدي على حياته هو وليس حياة غيره فلا مبرر للعقاب ومن لم تردعه الارادة في البقاء فان تردعه أية عقوبة اخرى.
ولا بد من الوقوف على التكييف القانوني لفعل الانتحار وحيث انه وفقًا لمبدأ المشروعية والذي يقضي لا جريمة ولا عقوبة الا بنص سندًا للمادة الثالثة من قانون العقوبات الاردني، فنجد انه لا يعاقب على الفعل اذا كان غير مجرم وفعل الانتحار بحد ذاته والشروع في الانتحار غير مجرم وانما جرم المشرع الحمل على الانتحار والمساعدة على الانتحار.
وحيث ان القوانين الوضعية غير صالحة لكل زمان ومكان، فان المشرع يجري تعديلات دورية تتواءم مع احتياجات المجتمع، ونظرًا لازدياد ظاهرة الانتحار فذهب المشرع إلى تجريم ظاهرة الانتحار والغاية منه هو تحقيق الردع العام والخاص وبالنتيجة التقليل او الحد من ظاهرة الانتحار، ولكن كان يجب على المشرع وضع حد للأسباب التي آلت الى انتشار هذه الظاهره وان يجتثها من جذورها عوضًا عن تجريم الشروع في الانتحار، فتجربم المشرع للشروع في الانتحار امر في غاية الخطورة اذ يحمل المنتحر والذي هو جانٍ ومجني عليه في آن واحد الى تحقيق النتيجة والاصرار على فعله وازهاق روحه، خوفًا من العقوبة في حال عدوله، وفي الرد على ما ذهب اليه المشرع من تجريم الشروع في الانتحار لا بد من الاشارة الى قاعدة جوهرية تتمثل بأن الخاص بقيد العام، وحيث ان هناك نص خاص في قانون الصحة العامة وتعديلاته والتي تناولت ونظمت حالات ادخال المصابين بالامراض النفسية والادمان ضمن الفقرة (أ) من المادة (14) :
أ . يتم ادخال المصابين بالامراض النفسية وبالادمان على المخدرات والمؤثرات العقلية الى المستشفيات او الى الاقسام المخصصة لذلك اما بصورة اختيارية او اجبارية ويتم الادخال جبرا في اي من الحالات التالية:
2. اذا كان المريض او المدمن يسبب اذى لنفسه او للاخرين سواء كان ماديا او معنويا.
ولدى الرجوع إلى القواعد العامة في قانون العقوبات الاردني ترى انه أفرد الفصل الثاني ونظم فيه التدابير الاحترازية كاحد العقوبات وعدد أنواعها في المادة( 28) من القانون وهي:
المانعة للحرية.
والمادة ٢٩ من ذات القانون نظمت التدبير الاحترازي المانع للحرية:
1. المانعة للحرية:
1. من قضي عليه بالحجز في مأوى احترازي اوقف في مستشفى معتمد لهذه الغاية من وزير الداخلية، ويعنى به العناية التي تدعو اليها حالته.
وعلى الرغم من ان بعض السوابق القضائية اعتبرتها عقوبات تكميلية، الا انه يمكن الاستناد اليها كعقوبة اصلية تامه ورادعه وبذات الوقت تعد سببًا للحد من ظاهرة الانتحار.
إذ أن السوابق القضائية اتجهت إلى إعلان عدم مسؤولية المشتكى عليه عن جرم الشروع في الانتحار لكون الفعل لا يؤلف جرمًا ولا يستوجب عقاب؛ فلكل مما تقدم نرى انه يجب تطبيق التدبير الاحترازي المانع للحرية بحق مقترف هذا الفعل وادخاله مستشفى معتمد لهذه الغاية، اذ ان الشخص المقبل على هذا الفعل هو شخص غير سوي ولا يعد مجرمًا ويحتاج للعلاج والدعم النفسي تحقيقًا للعدالة واعمالا اروح القانون.
او تطبيق إحدى بدائل الاصلاح المجتمعي وجلسات علاج نفسي كما ذهبت إليه بعض التشريعات المقارنة.
ونرى انه كان يتعين على المشرع -مع وافر الاحترام والتقدير- ان يعالج الاسباب التي آلت الى مقترف هذا الفعل بالشروع في الانتحار والذي يكمن ابتداءً في نقص الوازع الديني، وناهيك عن الظروف الاقتصادية والفقر والبطالة، او انتهاك حقوقه او المساس بها، ويمكن وضع حلول اخرى، فمثلا في الاماكن التي يكثر فيها الانتحار كالجسور وما شابه وتحديدا جسر عبدون يمكن رفع الجسر بواسطة سياج حديدي يخصص لهذه الغاية دون ان يؤثر على المنظر الجمالي للجسر، وتخصيص لجنة مختصة تتكون من أشخاص أكفاء ذوي اختصاص لدى وزارة الصحة للتعامل مع هذه الفئة ومساندتهم ودعمهم لتجاوز هذه المرحلة، والتثقيف المستمر من خلال وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمحاضرات الجامعية، وفي المدارس، وفي الجوامع او الكنائس ودور العبادة اعمالا لقول الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)